عصرنا المعرض للخطر والتهديدات الاقتصادية «5»

نظرا إلى عوامل العرض والطلب الإجمالية التي تدفع معدلات التضخم إلى الارتفاع، فإن هدف التضخم الفعلي الجديد (وإن لم يكن رسميا) على مدى العقد المقبل قد يقترب من 4 إلى 5 في المائة. مع ذلك، قد يؤدي قبول معدل تضخم أعلى إلى تراجع توقعات التضخم -كما حدث في السبعينيات- مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على النمو الاقتصادي والعائدات على الأصول المالية.
حتى 2021، أدى التيسير النقدي والمالي والائتماني إلى المبالغة في تقييم كل شيء تقريبا: الأسهم الأمريكية والعالمية، والعقارات، والسندات الحكومية وسندات الشركات، وشركات التكنولوجيا والنمو والشركات الاستثمارية، وأصول المضاربة، مثل العملات الرقمية المشفرة وأسهم الميم وشركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة. عندما انفجرت "فقاعة كل شيء" هذه في 2022، فقدت أصول المضاربة -بدءا من أسهم رأس المال المغامر والعملات الرقمية المشفرة وأسهم الميم -قيمة أكبر بكثير من الأسهم التقليدية.
لكن الأصول الآمنة مثل السندات الحكومية خسرت أيضا أموالا، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى انخفاض أسعار السندات. على سبيل المثال، يشير ارتفاع عائدات السندات في الولايات المتحدة من 1 إلى 3.5 في المائة في 2022 إلى أن سندات الخزانة لعشرة أعوام خسرت سعرا أكبر (-20 في المائة) مقارنة بنسبة خسارة مؤشر ستاندرد آند بورز 500 (-18 في المائة). شهد هذا العام خسائر إضافية في السندات طويلة الأجل (نحو -15 في المائة من حيث السعر) مع ارتفاع عائدات السندات بشكل أكبر نحو 5 في المائة. وبالتالي، فقد خسرت النماذج التقليدية لتخصيص الأصول التي تعمل على تحقيق التوازن بين الأسهم والسندات على كلتا الجبهتين.
من المرجح أن يستمر هذا الصراع لفترة طويلة. ومع بلوغ متوسط التضخم 5 بدلا من 2 في المائة، يجب أن تكون عائدات السندات الطويلة الأجل أقرب إلى 7.5 في المائة (5 في المائة بالنسبة إلى التضخم و2.5 في المائة للعائد الحقيقي). لكن إذا ارتفعت عائدات السندات من مستواها الحالي 4.5 إلى 7.5 في المائة، فإن هذا من شأنه أن يتسبب في انهيار أسعار السندات (بنسبة 30 في المائة) والأسهم (في ظل هبوط حاد في السوق)، لأن عامل الخصم بالنسبة إلى أرباح الأسهم سيكون أعلى بكثير. وعلى الصعيد العالمي، قد تزيد خسائر حاملي السندات والمستثمرين في الأسهم على حد سواء لتصل إلى عشرات التريليونات من الدولارات على مدى العقد المقبل.
من المؤكد أن الأسهم الأمريكية والعالمية سجلت ارتفاعا ملحوظا منتصف 2023، في أعقاب السوق الهابطة في 2022. لكن معظم هذا الانتعاش كان مدفوعا بمجموعة صغيرة من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى التي استفادت من الأمل والضجة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي. وإذا ما استبعدنا هذه الشركات التي تشهد إقبالا متزايدا، فسنجد أن الأسواق كانت شبه ثابتة.
علاوة على ذلك، في معظم 2023، كان المستثمرون منغمسين في التفكير القائم على التمني بشأن إعلان البنوك المركزية نهاية دورة رفع أسعار الفائدة، حيث راهن كثيرون على انخفاض أسعار الفائدة في المستقبل القريب. لكن التضخم المستمر بدد هذه الآمال، الأمر الذي دفع البنوك المركزية إلى تبني سياسة "رفع أسعار الفائدة لفترة أطول"، التي من المرجح أن تؤدي إلى انكماش اقتصادي وضغوط مالية إضافية. وفي الصيف والخريف الماضيين، ارتفعت عائدات السندات الأمريكية من 3.7 إلى 5 في المائة، فضلا عن تصحيح كبير آخر في الأسهم الأمريكية والعالمية.
فيما يتعلق بالنمو، فإن منطقة اليورو والمملكة المتحدة تدخلان بالفعل في حالة من الركود التضخمي، والصين تعاني تباطؤا هيكليا. وفي حين تجنبت الولايات المتحدة الركود، فقد ينتهي بها الأمر إلى ركود قصير وعميق في حال تسببت سياسة "رفع أسعر الفائدة لفترة أطول" التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي في استمرار ارتفاع عائدات السندات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي