السيناريوهات المستقبلية للذكاء الاصطناعي «3 من 3»
وللحديث عن الرؤية المستقبلية لانتشار الذكاء الاصطناعي فيما يلي ثلاثة سيناريوهات تكنولوجية تغطي مجموعة كبيرة من النتائج الممكنة التي ينبغي لصناع السياسات الاقتصادية الانتباه لها:
السيناريو الأول، "السيناريو التقليدي أو سيناريو المسار المعتاد": تطور الذكاء الاصطناعي يسهم في تعزيز الإنتاجية وأتمتة مجموعة كبيرة من المهام المعرفية، وتنشأ عنه أيضا فرص جديدة للعمال المتضررين للانتقال إلى وظائف جديدة أكثر إنتاجية في المتوسط عن وظائفهم السابقة التي حل الذكاء الاصطناعي محلهم فيها.
السيناريو الثاني، "السيناريو الأساس، الذكاء العام الاصطناعي خلال 20 عاما": على مدار الـ20 عاما التالية، يتطور الذكاء الاصطناعي تدريجيا وصولا إلى نقطة الذكاء العام الاصطناعي، ليصبح قادرا على أداء جميع المهام البشرية في نهاية الفترة، ما يؤدي إلى تراجع قيمة العمالة. ويتفق ذلك مع منظور القدرة المحدودة للعقل البشري من خلال البيانات الإحصائية الواردة بافتراض أن الذكاء الاصطناعي سيستغرق 20 عاما قبل أن يتمكن من أداء المهام المعرفية الأكثر تعقيدا.
السيناريو الثالث، "السيناريو المتشدد، الذكاء العام الاصطناعي خلال خمسة أعوام": هذا السيناريو يحاكي السيناريو الثاني ولكن إطاره الزمني أقصر كثيرا، حيث يصبح الذكاء العام الاصطناعي وجميع انعكاساته على العمل واقعا ملموسا خلال خمسة أعوام.
رغم عدم يقيني الشديد، تقدر احتمالية تحقق كل من هذه السيناريوهات بأكثر من 10 في المائة في وقت كتابة هذا المقال. ولمراعاة عدم اليقين والتأهب للمستقبل بشكل كاف، في رأيي أن صناع السياسات عليهم التعامل بجدية مع جميع السيناريوهات، وإجراء اختبارات لقياس قدرة أطر السياسات الاقتصادية والمالية على تحمل ضغوط كل سيناريو، وإصلاحها إذا لزم الأمر لضمان كفاءتها.
يمكن أن تؤدي جميع السيناريوهات الثلاثة إلى نتائج اقتصادية شديدة الاختلاف عبر مجموعة واسعة من المؤشرات، بما في ذلك النمو الاقتصادي، الأجور والعائدات على رأس المال، واستدامة أوضاع المالية العامة، وعدم المساواة، والاستقرار السياسي. كذلك تتطلب هذه السيناريوهات إصلاح شبكات الأمان الاجتماعي والنظم الضريبية، وتؤثر في كيفية تنفيذ السياسة النقدية والتنظيم المالي والاستراتيجيات الصناعية والإنمائية.
ويتم استعراض نتائج جميع السيناريوهات الثلاثة، من خلال مسار الناتج في كل سيناريو ومسار الأجور السوقية التنافسية. وهنا تبرز ثلاث نقاط:
أولا، بينما يتواصل النمو حسب المسار المعتاد خلال العقود الماضية في السيناريو المتحفظ، يسجل نمو الناتج معدلات أكثر سرعة في سيناريوهي الذكاء العام الاصطناعي نظرا لأن ندرة العمالة لم تعد العوامل المقيدة للناتج.
ثانيا، ترتفع الأجور بداية في جميع السيناريوهات الثلاثة ـ ما دامت العمالة نادرة، ثم تتراجع لاحقا مع اقتراب الاقتصاد من نقطة الذكاء العام الاصطناعي.
ثالثا، هناك قوة واحدة وراء انتعاش الناتج وانهيار الأجور في سيناريوهي الذكاء العام الاصطناعي: الاستعاضة عن العمالة النادرة بآلات أكثر وفرة نسبيا. ويشير ذلك إلى أنه من الممكن تصميم مؤسسات لتعويض العمالة عن خسائر الدخل وضمان الاستفادة من مكاسب الذكاء العام الاصطناعي في تحقيق الرخاء المشترك.