أكذوبة حماية الأمن والسلم الدوليين
يعجب المرء العاقل من عبارة حماية السلم والأمن الدوليين التي تطلق هنا، أو هناك، ويزداد الأمر عجبا عندما تطلقها دول لا يمكن تبييض سجلها، وتاريخها من الاعتداءات، وممارسة ما تمارسه العصابات الخارجة عن القوانين، ولا تعرف إلا قانون الغاب. هذه الدول، ومعها هيئة الأمم المتحدة أحيانا، خاصة عندما تكون أمانتها ضعيفة، أو تفتقد الأمانة بانحيازها لمصلحة الكبار الأقوياء ضد الصغار الضعفاء، إذ تطلق التحذيرات من تهديد السلم والأمن الدولي بسبب فعل قامت به دولة محدودة الإمكانات حماية لأراضيها أو شواطئها، أو تقوم به مجموعة غيورة على وطنها المحتل المسلوب الإرادة، المنهوب الخيرات.
مجموعة الدول المتحكمة في قرارات مجلس الأمن هي الأكثر إصدارا لهذه التحذيرات على أساس أنها مشفقة، وعاطفتها الإنسانية لا تسمح لها بالسكوت على ما تعده تهديدا لمصالحها الخاصة، حتى لو كانت هذه المصالح من أقوات عيش الآخرين، وعلى حساب كرامتهم، وإنسانيتهم.
أتذكر قبل أعوام حصل إشكال بين الصوماليين الذين يصطادون السمك في شواطئهم، وسفن حربية أمريكية حضرت للمكان في محاولة لبسط نفوذها على الصومال لاستكمال ما تبقى من الإيطاليين الذين احتلوا الصومال، فما كان من الساسة الأمريكان، ومعهم إعلامهم القوي إلا وصوروا الصوماليين المدافعين عن وطنهم، ومصادر عيشهم بالقراصنة المهددين للسلم والأمن الدوليين، لينتهي الأمر بسحل المعتدين الأمريكان على الأرض الصومالية، ويلوذ الناجون بالفرار.
يشير مفهوم السلم والأمن الدوليين المعتمد من هيئة الأمم المتحدة إلى الجهود التي تبذل لمساعدة الدول والمناطق على الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة الاستقرار والسلم، وذلك بمنع النزاعات، والحؤول دون تحولها إلى صراعات، وحروب بين فئات داخلية، أو بين دول، ووفق الأمم المتحدة فإن السلم والأمن يقوم على مبادئ ثلاثة هي: موافقة الأطراف، عدم التحيز، وعدم استخدام القوة عدا حالة الدفاع عن النفس.
ما من شك أن المفهوم، والمبادئ التي يقوم عليها جيدة، إلا أن الأهم هو الآلية التي يتم بها تحقيق السلم والأمن، ومتى يتم ذلك، ومن يقوم به، إذ إن هيئة الأمم المتحدة في العموم تقوم بمراقبة الوضع في دولة، أو منطقة، ودورها يقتصر على كتابة تقرير، وتوصية لمجلس الأمن الذي يحتكر قراراته خمس دول، توجد قواسم مشتركة بينها، كما توجد خلافات، ومصالح متعارضة، والشواهد تثبت أن تصرفات الدول الخمس في مجلس الأمن لا تبالي بمفهوم السلم والأمن متى ما تعارض الوضع مع مصالحها، وما فعله الاتحاد السوفيتي في غزوه أفغانستان، وما فعلته أمريكا في غزوها العراق، وأفغانستان، وتدمير وتمزيق البلدين، وكذلك ما فعلته فرنسا في مالي والنيجر، إلا مجرد شواهد، ولعل معارضة أمريكا مرات عدة لوقف العدوان الصهيوني على غزة، ودعمها عسكريا ولوجستيا وماليا، يؤكد أن مفهوم السلم والأمن ما هو إلا شعار يوظف لتحقيق المكاسب الخاصة.
حسب معهد ستوكهولم فإن المخزون لعشر دول نووية يبلغ 13865 رأسا نوويا تستحوذ روسيا وأمريكا على 90 في المائة من المخزون العالمي، والغريب في الأمر قرار منع انتشار الأسلحة النووية حتى لو كان الأمر للاستخدام المدني في حين تتسابق دول الفيتو على زيادة ترسانتها من سلاح التدمير، ولو قارنا بين الدول التي تم غزوها بحجة بسط الأمن والسلم، وبين الدول التي شنت الحروب، لوجدنا أن لا مجال للمقارنة بين دول تملك وتستخدم أسلحة فتاكة ومدمرة، ومهلكة للحرث والنسل، كما حدث في نجازاكي وهيروشيما في حين يدافع المتعرضون للغزو، واحتلال أوطانهم بحجارة وعصي وأسلحة فردية كالمسدسات وبنادق الصيد، وفي أفضل الأحوال الرشاشات.