الكربون الأزرق والمشروعات السياحية
تحدثنا في المقالات السابقة عن الاقتصاد الأزرق والسياحة البحرية وصناعة القوارب والفرص المتاخمة لهما. الحديث عن هذا المجال الذي يمتد ليشمل الاستزراع السمكي والطاقة المائية المتجددة لا يكتمل إلا بتغطية الزاوية البيئية، إذ تعد حجر أساس المحافظة على المقومات الأساسية المرتبطة بالاقتصاد الأزرق: الماء والشاطئ والحياة.
المملكة، بلد الصحراء الشاسعة والجبال والحضارات العريقة، تحتوي أيضا على كنوز بيئية مثل غابات القرم "المانجروف" والشعاب المرجانية. توجد هذه النظم البيئية الفريدة على طول السواحل البحرية للملكة، وتلعب دورا حاسما في استيعاب وتخزين كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. تعمل هذه النظم التي يطلق عليها "الكربون الأزرق" مستودعات كربونية حيوية، ما يسهم في التخفيف من آثار التغير المناخي وحماية المناطق الساحلية الضعيفة.
لا يقتصر ما تقدمه هذه الأنظمة على هذا التفاعل الكيمائي الفيزيائي المهم، فمن المعروف أن غابات القرم تمثل جزءا أساسا من سلسلة تكاثر عديد من الأحياء البحرية وهي توفر ملاذا آمنا للحياة البحرية المتنوعة وتسهم في الصحة العامة للنظام البيئي البحري.
رغم أهميتها البيئية، تواجه غابات القرم في المملكة عديدا من التحديات. في حين تم بذل عدد من الجهود لحماية هذه الغابات ـ على سبيل المثال ما قامت به شركة أرامكو في السابق وجامعة كاوست حاليا ـ إلا أن كل المناطق لا تتلقى الحماية الكافية.
بدأت الجهات البيئية والتنظيمية في فرض بعض أنواع العقوبات البيئة، لكن الوعي والاستثمار والمشاركة المجتمعية من قبل الشركات لا تزال بحاجة إلى مزيد من التعزيز.
تدفع المشروعات السياحة الضخمة في المملكة فرصا رائعة لرفع الوعي البيئي ووضع معايير جديدة للحفاظ على الثروة الطبيعية، وهذا ما نراه في حملاتها التسويقية. تعد هذه المشروعات الطموحة حافزا للتنمية المستدامة ـ وهي أساسا مستفيدة من استقرار وصحة البيئة البحرية ـ ويمكن أن تكون منصات لتثقيف السكان والزوار على حد سواء حول أهمية الحفاظ على البيئة وتعديل الممارسات والسلوكيات.
في حين أن بعض مشروعات البناء ذات المستوى الأول في المملكة تحاول تطبيق المعايير البيئية الملائمة، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الاهتمام بالتأثير البيئي للإنشاءات البحرية في مواطن التكاثر البحري.
تتعرض الخيران والمناطق الضحلة التي تعد جزءا أساسيا من هذه المواطن لأخطار التدمير والإزالة، ما يهدد التوازن الهش للحياة البحرية، خصوصا تلك الخاصة بمراحل الإنتاج الشاطئية.
يعد التوازن المتناغم بين التنمية والمحافظة على البيئة أمرا بالغ الأهمية للحفاظ على الاقتصاد الأزرق للأجيال المقبلة.
بالنسبة إلى صناعة القوارب، فإنها تلعب دورا مهما في الكربون الأزرق والمحافظة على غابات القرم في المملكة. إذ يمكن تصميم وتصنيع القوارب بطرق تقلل من استهلاك الوقود وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات توفير الطاقة مثل الأنظمة الهجينة والمحركات الكهربائية لتحسين كفاءة استهلاك الوقود وتقليل الانبعاثات. يمكن كذلك للشركات المصنعة للقوارب والمؤسسات ذات الصلة بالصناعة أن تدعم التحقيقات والمشروعات البحثية التي تهدف إلى فهم أفضل للكربون الأزرق وتقييم تأثيره في البيئة البحرية. يمكن أن تؤدي هذه الجهود إلى تطوير ممارسات وتقنيات أكثر فاعلية للحفاظ على الكربون الأزرق وتعزيز دوره في امتصاص الكربون وتقليل التغير المناخي، مثل استغلال تكنولوجيا القوارب للمراقبة والتتبع، وتحسين توزيع وزيادة انتشار المرافئ متطورة المرافق، إذ تتحول المرافئ لمنصات محافظة على البيئة لا محطات تدمير للبيئة.
يعد الحفاظ على موارد الكربون الأزرق في السعودية، خاصة غابات القرم، ذا أهمية بالغة للجوانب البيئية للاقتصاد الأزرق. من خلال تعزيز تدابير الحماية ورفع الوعي وتبني الممارسات المستدامة، يمكن أن تكون المملكة مثالا مشرقا لرعاية البيئة، وتقود الطريق نحو اقتصاد أزرق مستدام. ليس بعيدا أن تتاح للسعودية فرصة المشاركة في قيادة أعمال استدامة الاقتصاد الأزرق على المستوى الدولي، إذ إن للمملكة إسهامات سابقة في الجهود البحرية البيئية العالمية، والأولوية اليوم هي الحفاظ على الكنوز التي نملك.