صنع في السعودية ومحتواه المحلي
لا شك أن الإرادة الحكومية الجادة والحازمة لتنفيذ رؤية المملكة 2030 تحقق إنجازات كبيرة تجاوزت التوقعات والمستهدفات، من ضمنها تنمية المحتوى المحلي، الذي يحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030 بشكل مباشر في هدفها الخاص برفع نسبة المحتوى المحلي في القطاعات غير النفطية، وبشكل غير مباشر في أهداف الرؤية الأخرى التي تسعى إلى توطين الصناعات الواعدة، وكذلك تعزيز فاعلية التخطيط المالي وكفاءة الإنفاق الحكومي. هذا في نهاية المطاف يدعم الصناعة الوطنية ويعزز شعار "صنع في السعودية" في نفوس المواطنين وغيرهم، وأهم من ذلك يسهم في الناتج المحلي للاقتصاد السعودي.
يقصد بالمحتوى المحلي إجمالي الإنفاق في المملكة من خلال مشاركة العناصر السعودية في القوى العاملة والسلع والخدمات والأصول وكذلك التقنية ونحوها. ويحسن التأكيد على أن المحتوى المحلي لا يقتصر على نسبة المنتجات والتقنيات السعودية في المشاريع والمشتريات الحكومية فقط، بل أيضا نسبة توظيف القوى العاملة السعودية ورواتبهم ونحوها. وتسعى هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية إلى تنمية نسبة المحتوى المحلي في القطاعين الحكومي والخاص وكذلك لدى الأفراد، من خلال عديد من المبادرات المحفزة لزيادة نسبة المحتوى المحلي في العقود والمنافسات وكذلك الصناعات السعودية، ليس فقط من خلال التشريعات والمعايير، لكن أيضا من خلال برامج رفع الوعي بأهمية المحتوى المحلي التي تميزت حملاتها التوعوية بإبداع لافت في طبيعة الإعلانات وإتقان في تنفيذها، ويضاف إلى هذه الجهود إطلاقها "جائزة المحتوى المحلي" التي تهدف إلى تحفيز وتكريم القطاعين العام والخاص، والشركات المملوكة للدولة، من أجل زيادة المحتوى المحلي في مختلف القطاعات، وتطوير أدائها في تنفيذ العقود والمشاريع، وتطبيق متطلبات المحتوى المحلي، بهدف تعزيز الإمكانات المحلية وتعظيم الفائدة من القوة الشرائية الوطنية، لبناء اقتصاد قوي ومستدام.
إلى جانب منتدى المحتوى المحلي الذي عزز مفهوم المحتوى المحلي في المجتمع بشكل عام، جاء القرار الحكيم والنوعي القاضي بإلزام الشركات العاملة في المملكة بنقل مقارها الإقليمية إلى المملكة، فقد دخل قرار إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة خارج المملكة حيز النفاذ في بداية يناير 2024. تجدر الإشارة إلى أن المملكة قد أصدرت أكثر من 180 ترخيصا لشركات عالمية من أجل نقل مقارها الإقليمية، وفي الوقت نفسه أقر مجلس الوزراء ضوابط تعاقد الجهات الحكومية مع الشركات التي ليس لها مقار إقليمية في المملكة، ويقابله تقديم حزمة حوافز ضريبية جديدة لمدة 30 عاما، لدعم برنامج جذب المقار الإقليمية للشركات العالمية، لتشجيع وتيسير إجراءات افتتاح الشركات العالمية مقارها الإقليمية في المملكة.
نتيجة لهذه الجهود، ارتفعت نسبة المحتوى المحلي في الإنفاق النهائي في القطاع غير النفطي إلى أكثر من 60 في المائة، متجاوزة النسبة المستهدفة، وكذلك ارتفعت نسبة المحتوى المحلي في المشتريات الحكومية إلى أكثر من 43 في المائة محققة النسبة المستهدفة لعام 2022. وارتفعت نسبة الوعي بالمحتوى المحلي لدى القطاع الخاص إلى 45 في المائة، أي دون النسبة المستهدفة بقليل، لكن نسبة الوعي لدى الأفراد تجاوزت النسبة المستهدفة بكثير.
نتيجة لهذه الإنجازات، أصبحت أنشطة الهيئة أنموذجا يحتذى به في دول الجوار. وأصبحت الشركات والمؤسسات الحكومية أكثر وعيا بأهمية المحتوى الوطني وضرورة أخذه في الحسبان في العقود أو الشراكات مع جهات داخل المملكة وخارجها، ما يشجع الصناعة السعودية، ويسهم في توظيف القوى الوطنية، ونقل الخبرات والتقنيات إلى المملكة، بل بادرت بعض الشركات بتأسيس إدارات لديها لضمان المحتوى المحلي في أنشطة الشركة.
على الرغم من أن الطريق لا يزال طويلا ومليئا بالتحديات، لا بد أن نبتهج بالإنجازات ونعتز بالصناعة الوطنية وما حققته من مستوى جودة وانتشار ليس في الداخل فقط، بل في دول أخرى، بفضل التشجيع الحكومي والقرارات الرشيدة لدعم المحتوى الوطني.
في الختام أدعو للقائمين على تنمية المحتوى المحلي بمزيد من النجاح، وآمل أن تقوم الهيئة بنشر قائمة سنوية بنسب المحتوى المحلي في قطاعات الاقتصاد الرئيسة، وكذلك لكل شركة ومؤسسة تعمل في المملكة، لتحقيق مزيد من الإنجازات، وإبراز الشركات والمؤسسات التي تبذل جهودا كبيرة في هذا المجال.