المتطلبات الجديدة للزواج
يستأثر موضوع العزوف عن الزواج بنقاشات مستفيضة ويستحق الدراسة والفحص من قبل المختصين في أغلب المجالات الأدبية المتعلقة بالحياة والتغيرات السكانية والدراسات المستقبلية، ذلك أن العزوف عن الزواج الذي نشاهده في بلادنا وفي العالم أجمع ناتج عن تغييرات بنيوية، اقتصادية، نفسية، واجتماعية.
أول ما ظهر من الآثار في المجال هو ارتفاع سن الزواج، فبعد أن كان كثير من الأسر تصاب بالقلق عند بلوغ بناتها وأبنائها سن الـ20 دون أن يكون لهم ارتباط أسري ومستقبل واضح. قلق يثير الجميع بحكم ما كانت الأسرة تراه من ضرورة بقاء الاسم واستمرار النمو الاجتماعي، الذي كان متأثرا بقرون طويلة من التكوين البنيوي للمجتمعات وما يمثله الفرد من أهمية أسرية قبل أن تكون مجتمعية.
أصبح سن الـ20 بعيدا عن التأثير في قرارات الأفراد بالنسبة للارتباط الأسري بالزواج، بل إنه مع انتشار التعليم للمراحل الجامعية أصبح غير ممكن أساسا، فبعد أن كانت الفتاة مثلا تذهب إلى بيت زوجها وقد تكمل دراستها هناك، تحول الوضع لبدء الاهتمام المجتمعي لتكوين حماية شخصية للمرأة في حال لم تنجح عملية الارتباط. نتج هذا - بالطبع - عما تشاهده الفتيات من انتشار الطلاق، وما كانت تعانيه بعضهن من التعامل السيئ في بيت الزوجية.
من المؤكد أن شخصية الشاب اليوم أقل جاذبية ومسؤولية مما كان عليه في السابق مع ارتفاع تلكما الخاصيتين في الجنس المقابل، بحكم التعليم والتوظيف الذي جعل للمرأة شخصية اعتبارية مختلفة على وجه العموم. ثم تستمر الاستقلالية لدى المرأة من خلال قدرتها على الحصول على جميع الخدمات التي تحتاجها دون اللجوء إلى الرجل الذي كان يعد الحامي والضامن لسلامة واستغناء المرأة عن الغير.
فقدان هذين العنصرين أسهم في تكوين شخصيات جديدة مختلفة تماما لدى الفتيات والشباب، ما جعل عملية الارتباط الأسري مغامرة لدى أغلب من يتزوجون دون التعرف على حقيقة شركاء المستقبل، ودون تبني الأفكار السائدة في المجتمع. إن انتشار الخلع في الأعوام الأخيرة يدل على أن هناك صعوبات ستواجه المجتمع في القادم من الأيام تتمثل في فقدان الهوية واللجوء إلى حلول غير معروفة لدى مجتمعاتنا. وهو ما ينذر باستمرار ارتفاع سن الزواج، بل العزوف عن الزواج تماما من قبل فئات من المجتمع لا تجد في الحلول المتوافرة ما ينفعها.