مواجهة أكبر أربعة تحديات اقتصادية أمامنا «2 من 2»

لم تكن الدول النامية محصنة ضد أي من هذين العاملين. فقد شهدت عديد من هذه الدول "تراجعا مبكرا في مجال التصنيع": فقد أصبح استيعابها للعمال في شركات التصنيع الرسمية والإنتاجية محدودا للغاية الآن، ما يعني أنها ممنوعة من اتباع الاستراتيجيات الإنمائية الموجهة نحو التصدير، التي كانت فعالة للغاية في شرق آسيا وعدد قليل من الدول الأخرى. إلى جانب التحدي المناخي، تتطلب أزمة استراتيجيات النمو هذه في الدول المنخفضة الدخل نموذجا إنمائيا جديدا تماما.
وكما هو الحال في الاقتصادات المتقدمة، ستكون الخدمات المصدر الرئيس لإيجاد فرص العمل في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومع ذلك، تخضع أغلب الخدمات في هذه الاقتصادات لهيمنة مؤسسات صغيرة الحجم وغير رسمية -غالبا ما تكون سفنا ذات ملكية فرديةـ ولا تملك في الأساس نماذج جاهزة للتنمية القائمة على الخدمات لمحاكاتها. وسيتعين على الحكومات التجربة عبر الجمع بين الاستثمار في التحول الأخضر وتحسين الإنتاجية في مجال خدمات استيعاب العمالة.
أخيرا، يجب إعادة اختراع العولمة نفسها. لقد تم تجاوز نموذج العولمة المفرطة في مرحلة ما بعد 1990 من خلال صعود المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وإيلاء أولوية أعلى للمخاوف الاجتماعية والاقتصادية المحلية والمتعلقة بالصحة العامة والبيئة. ولم تعد العولمة في هيئتها الحالية صالحة لتحقيق الغرض، وسيتعين علينا استبدالها بفهم جديد يعيد التوازن بين الاحتياجات الوطنية ومتطلبات الاقتصاد العالمي السليم الذي يسهل التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي الطويل الأجل.
على الأرجح، سيكون نموذج العولمة الجديد أقل تدخلا، مع الاعتراف باحتياجات كل الدول "وليس فقط القوى الكبرى" التي تريد قدرا أعظم من المرونة السياسية في التعامل مع التحديات الداخلية وضرورات الأمن الوطني. ومن بين الاحتمالات تبني الولايات المتحدة أو الصين نظرة توسعية أكثر مما ينبغي فيما يتعلق باحتياجاتها الأمنية، سعيا إلى تحقيق التفوق العالمي "في حالة الولايات المتحدة" أو الهيمنة الإقليمية "الصين"، وستكون النتيجة "تسليح" الاعتماد الاقتصادي المتبادل وفك الارتباط الاقتصادي الكبير، مع التعامل مع التجارة والاستثمار باعتبارهما لعبة لا تخدم أية مصالح أحادية الجانب.
لكن قد يكون هناك أيضا سيناريو أكثر إيجابية، حيث تعمل كل من القوتين على إبقاء طموحاتها الجيوسياسية تحت السيطرة، مع الاعتراف بإمكانية تحقيق أهدافهما الاقتصادية المتنافسة بشكل أفضل من خلال التسوية والتعاون. وقد يخدم هذا السيناريو الاقتصاد العالمي بشكل جيد، حتى لو كان، أو ربما لأنه لا يرقى إلى مستوى العولمة المفرطة. وكما أظهر عصر بريتون وودز، فإن التوسع الكبير في التجارة والاستثمار العالميين يتوافق مع نموذج العولمة الهزيل، حيث تحتفظ الدول بقدر كبير من الاستقلال السياسي الذي يمكن من خلاله تعزيز التماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي في الداخل. إن أعظم هدية يمكن أن تقدمها القوى الكبرى للاقتصاد العالمي تتمثل في إدارة اقتصاداتها المحلية بشكل جيد.
تتطلب كل هذه التحديات أفكارا وأطرا جديدة. نحن لسنا بحاجة إلى التخلص من الاقتصاد التقليدي. ولكن لكي يحافظ خبراء الاقتصاد على هيمنتهم، سيتعين عليهم تعلم كيفية تطبيق أدوات تجارتهم على الأهداف والقيود الحالية. كما يتعين عليهم أن يكونوا منفتحين على التجارب ومؤيدين إذا اتخذت الحكومات إجراءات لا تتفق مع قواعد اللعبة التي كانت سائدة في الماضي.

خاص بـ"الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2024.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي