صناعة النقود سوق محكمة الإغلاق وأسرار يختلط الاقتصاد فيها بالسياسة
صار تداول النقود ضرورة من ضروريات الحياة المعاصرة، فلا يكاد ينقضي اليوم دون قيام الفرد بقائمة تعاملات تستوجب استخدام الأوراق النقدية. انتشار وشهرة يقابلهما تكتم وغموض كبيران حول صناعة النقد، فالأغلبية الساحقة لا تعرف شيئا عن هذه الصناعة شديدة الخصوصية التي تحفها دوائر من السرية والكتمان، تضاهي تلك التي تحيط بصناعة السلاح.
تاريخ العملات
عادة ما يتخذ النقاش منحى تاريخيا عند الحديث عن المال، بالبحث في أصول العملات وبواكير فلسفة المقايضة بالمعادن والسلع وما إلى ذلك، من التفاصيل التي تشكل محطات مهمة في رحلة المال. دون أدنى اهتمام، أو حتى مجرد التفكير، في صناعة النقود الورقية، هذا الاختراع الصيني ظهر عام 960.
وأحيانا، اتخذ مسارات أخرى تبحث في أسباب تفضيل النقود أو "السلعة الثالثة"، كما توصف، على القيمة العينية التي تتمتع بها السلع الحقيقية في التعاملات التجارية. وامتدت الحفريات في فصول تاريخ النقود، إلى البحث عن أسباب ترسيخ النقود الورقية لإقدامها، رغم نوبات التضخم المتكررة التي أساءت إلى سمعة النقود الورقية من ناحية، وإقدام الرئيس الأمريكي نيكسون لإعلان انتهاء عهد الدعم بالذهب في 1971.
شهد العالم أول محاولة لاكتشاف دهاليز صناعة النقود وخباياها على يد كاتب وصحافي أمريكي، في 1983، لكن نتائج تلك المساعي حجبت عن الجمهور، بعد قيام ممثلين بارزين لأهم الشركات المسيطرة على المجال، بشراء كل نسخ الكتاب من المطابع مباشرة.
أمجاد الطباعة
تتداخل عدة صناعات (الطباعة، تصنيع الورق، والصباغة والأحبار..) بدرجات متفاوتة، لتشكل قطاعا صناعيا متفردا على الصعيد العالمي، قوامه سوق رائجة لا يعرف الكساد طريقا إليها. فقد قدر أحد الخبراء كمية الأوراق النقدية المتداولة في العالم بما يزيد على 200 مليار ورقة نقد، وحجم طباعة النقد بأكثر من 90 مليار وحدة.
واهتدى خبراء لقاعدة عامة في هذه الصناعة مفادها أن حاجيات دولة في منطقة معتدلة من النقد، تعادل عدد السكان ضرب عشرة، ويرتفع الرقم أكثر في المناطق الرطبة جراء الحاجة المستمرة لاستبدال الأوراق بسبب التلف. تفاديا لذلك عمدت دول عدة إلى استخدام البلاستيك بدل الورق، فكانت هايتي أول من استعمل أوراق نقد بلاستيكية في 1974. كررت أستراليا التجربة، بعد 20 عاما، معتمدة على مادة البوليمر لصناعة أوراقها النقدية.
أعداء النقد
يقال إن النظام المصرفي والتجارة ليسا صديقين للنقد، لأن التعامل مع النقود يكلفهما كثيرا من النقود. فكل ما يتصل بهذه الصناعة محل سرية مطلقة، من آلات وورق ومواد مساعدة. فلا يمكن الحصول عليها جديدة كانت أو مستعملة، بشكل قانوني في تجارة حرة. فضلا عن أن بيع آلة طباعة الإنتاليو المستعملة، يتطلب تبليغا إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) في ليون.
يعد السنيور جوري أحد الأسماء المرتبطة/ المحتكرة لهذه الصناعة، فشركة "دي لا رو" قرب لندن، بدأت عام 1813 بطباعة أوراق اللعب ثم طوابع البريد، قبل أن تتولى في 1860، في أول تجربة، طباعة أوراق نقد لمصلحة جزيرة موريشيوس. اليوم، باتت تطبع أوراق النقد لـ150 دولة. وعد خبراء جوالتيرو جوري بأنه صاحب ثورة في المجال، فأكثر من 90 في المائة من إجمالي أوراق النقد المطبوعة في العالم، ينتج على آلات تحمل اسمه.
خبايا صناعة النقود وأسرارها، من البدايات الأولى حتى استوت سوقا محكمة الإغلاق بين يدي أقلية من الشركات، يعرضها الكاتب الاقتصادي الألماني كلاوس بيندر بتفاصيل اختلط فيها الاقتصاد بالسياسة في مؤلفه "صناع النقود، العالم السري لطباعة أوراق النقد".