التعامل مع مؤشرات الأداء
في سياق تحديات التنمية الاقتصادية لا بد من معرفة أهمية القياس، لأنه يقال أحيانا في الاقتصاد "إن ما لا يقاس لا قيمة له"، مقولة صحيحة لكنها غير كاملة ومليئة بالتشبيهات الخطيرة. يقابل ذلك من بعد آخر الحرص العالي والمتنامي على مؤشرات الأداء الأساسية KPIs- ظاهرة نجدها في كل الخطط والبرامج لتصبح الفيصل في الحكم على إدارة المشروع أو الخطة، وكدليل على كفاءة النهج. هذه العناصر علمية على السطح، لأن مادتها أرقام لكن أحيانا تخطئ الهدف، لأن تحديات التنمية الاقتصادية غالبا نوعية وتحاكي سيكولوجية المتعاملين وروح التحدي وسد الفجوة بين الطموح والقدرة على المنافسة. فمثلا لو اخترت مكان خطأ لرحلة ما يصعب توظيف مؤشرات القياس للحكم على جودة الرحلة. السبب أن الطاقة تكون غير موظفة بفاعلية، والإنتاجية في الأخير أقل من المطلوب مع ارتفاع التكاليف.
المؤشرات تشبه العلم لكنها أقرب إلى الأيديولوجيا لأنها تصبح هدفا بحد ذاتها. فلما تكون المؤسسة خاضعة إداريا لسلطة المؤشرات لا يكون هناك مكان للتفكير النقدي، لذلك ربما أكبر عيب أنها تثبط الإبداع. يقول دونالد كامبل- ترجمتي عالم الاجتماع الأمريكي "كلما يوظف مؤشر كمي لعملية صنع القرار المجتمعي ارتفعت فرصة الفساد، إذ يبدأ ينقل صورة مشوهة عن العملية المجتمعية المرادة مراقبتها"، كذلك يذكر مؤرخ وكأنه يعقب "أي شيء يقاس مقابل مكافأة سيصبح هدفا للتلاعب". فمثلا يقول أستاذ الاقتصاد Goodhart في كلية لندن للاقتصاد "إنه كلما وظف بنك إنجلترا المركزي معيارا لعرض النقود في علاقته بالتضخم أصبحت العلاقة ضعيفة". لذلك هناك مخاطر من توظيف المؤشرات. تحليليا هناك بعض النقاط المهمة لتقييم المؤشرات وتقليل المخاطر من توظيفها.
غالبا تقيس المؤشرات جزءا من الصورة، ولذلك تعطينا صورة ناقصة عن الأداء الإجمالي. فقد تكون المؤسسة ناجحة في التوجه العام لكن مؤشرا واحدا أو أكثر يهزم الهدف. كذلك أحيانا غياب الوعي بالسياق العام والعلاقة مع بعض المؤسسات الأخرى، خاصة أن الأداء الجماعي الشامل يتطلب علاقات أفقية ورأسية مع مؤسسات أخرى. فقد تعطي المؤشرات قراءة لا تشمل طبيعة تلك العلاقات والترابط. كثير من المؤشرات يقيس الماضي، لكن الهدف دائما المستقبل، لذلك هناك مخاطر من جمع وضعف المعلومات. أحيانا المؤشرات تصبح قيدا على مرونة الشركة أو المؤسسة، فتصبح سببا في ضعف التواصل بين المؤسسة والمستفيدين والمخططين. يا ترى ما الحل؟
للمؤشرات دور حيوي لكن لا بد من الحذر في توظيفها، خاصة حين تكون مادة الموضوع التنمية الاقتصادية. فهذه تحتاج إلى وعي أكثر وأعلى بالجوانب المؤسساتية في المجتمع، وتحتاج أيضا إلى توازنات بين المؤشرات لأغراض محددة في سياق محدد وبين التغيرات النوعية وسلاسة أنماط العلاقات المجتمعية بين القاطعين وبين النواحي البشرية وتعديل منظومة الحوافز. التنمية بطبعها شمولية لكن هذا لا يعني غياب القياس والمراجعة الدورية والمرونة.