رسالة الخطأ

Search is temporarily unavailable. If the problem persists, please contact the site administrator.


السياسات العامة ورسم طريق المستقبل

كان حدثا مضيئا أوردته "الاقتصادية" الأسبوع الماضي، إنه إعلان مركز الملك عبدالله للدراسات البترولية KAPSARC عن إنشاء كلية للسياسات العامة. فمثل هذه الكلية ضرورة من ضرورات رسم طريق المستقبل نحو تفعيل التنمية وتعزيز استدامتها. وقد أشار الإعلان إلى أن الكلية الجديدة تتطلع إلى تزويد قادة المستقبل بالمهارات المطلوبة من أجل تعزيز إسهامهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030. ولا شك أن هذا الإسهام، المستند إلى علوم السياسات العامة، وإلى إدراك تطورات العصر في المجالات المختلفة، سيكون قابلا للاستمرار ومواكبا للطموحات المتجددة مع مرور الزمن. وقد أسعدني هذا الحدث المضيء، بصورة خاصة، لأني بحثت سابقا في هذا الموضوع وأدركت مدى أهميته للمستقبل. وقد طرحت الموضوع في مقال في "الاقتصادية" في 7 فبراير 2019 بعنوان "سياسات التنمية ودور الجامعات". يشير معنى السياسة إلى منظومة تتمتع بمبادئ وقواعد عمل، يستند إليها أصحاب القرار في المنظومة، ضمن إطار التفكير في موضوع مطروح، واتخاذ قرارات تختص بمتطلبات بشأنه ينبغي الاستجابة لها والعمل على تنفيذها، بفاعلية وكفاءة في الأداء، ضمن بيئة تحمل معطيات داخلية وخارجية، وتؤثر وتتأثر بالقرارات المعنية وتوجهات تنفيذها. وعندما توصف السياسة بالعامة، يكون الموضوع المطروح عاما يرتبط بالناس والمجتمعات، على المستوى المحلي، أو الوطني، أو ربما المجتمع الدولي بأسره. ولعل من المناسب بيان أن كلمة "عامة" هنا لا تعني البعد عن الموضوعات المتخصصة في المجالات المختلفة، فهناك تخصصات عديدة تتعلق بالناس والمجتمعات، تلقى اهتمامهم، تؤثر فيهم، وتتأثر بهم، وتحتاج إلى سياسات وقرارات تنظم شؤونهم. وترتبط مثل هذه التخصصات بقطاعات الإنتاج والخدمات المختلفة، الحكومية منها والخاصة. ويشمل ذلك موضوعات في العلوم والتقنية، وأثرها في الإنسان، والخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والمعلوماتية، والعلاقات العامة، ونقل التقنية، والتجارة داخليا ودوليا، إضافة إلى موضوعات أخرى مختلفة. ولعل بالإمكان القول، بناء على ما سبق، إن السياسات العامة ضرورة في مختلف المجالات، خصوصا مع وجود طموحات ينبغي العمل على تحقيقها، كطموحات رؤية السعودية. ففي السياسات العامة تخطيط وحوكمة وإدارة، ومعايير عمل مختلفة في شتى المجالات. وفيها أيضا أساليب لتحليل السياسات، وتقييم الإمكانات، ومقارنة الاختيارات، واتخاذ القرارات على أسس سليمة. وتعتمد مثل هذه الأساليب على وسائل رياضية، وبرامج حاسوبية، ونماذج في الذكاء الاصطناعي، تسعى إلى الإبداع والابتكار، والبحث عن أفكار مفيدة تحمل قيمة يمكن الاستفادة منها. وهناك، حول العالم، كليات ومعاهد كثيرة في السياسات العامة، منها كلية غولدمان للسياسات العامة في جامعة كاليفورنيا-بيركلي GSPP والمعهد الوطني الياباني للدراسات العليا في السياسات NGIPS والمعهد الكوري الجنوبي للسياسات العامة KDI وغيرها. وعلى الرغم من التكاليف الناتجة عن إعداد المؤهلين للعمل في السياسات العامة، وعن توظيفهم وتأمين احتياجاتهم في العمل، فإن العوائد ستكون أكبر من خلال ما ستقدمه هذه السياسات من حلول تتمتع بالفاعلية والكفاءة، بل والرشاقة أيضا في الاستجابة للمتغيرات، عبر طريق التطور نحو تحقيق طموحات المستقبل المتجددة مع مرور الزمن. ولا شك أن في إعداد السياسات العامة وفي تنفيذها بنجاح ضمانا لعدم الوقوع في براثن القول المأثور "إن عدم التخطيط السليم هو تخطيط للفشل". وفي الختام، هذه تمنيات بالنجاح والتميز لكلية السياسات العامة الوليدة، وللقائمين عليها، والطلاب والطالبات القادمين إليها. والأمل أن تغطي في برامجها الدراسية والبحثية شؤون السياسات العامة في مختلف مجالات الحياة، وأن تهتم بالتوجه نحو الابتكار، ونماذج العمل التي تستخدم الثروة البشرية إلى جانب التقنية الحديثة المتجددة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي. ويضاف إلى ذلك ألا تكتفي بجانب التأهيل المعرفي والبحثي، بل أن تكون لها ذراع استشارية، تثري المؤسسات بمشورات مدروسة تعزز تحقيق الطموحات المنشودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي