الذكاء الاصطناعي يحمل أخبارا جيدة وسيئة للصحافيين
يمكن لأفضل نماذج اللغة الكبيرة أن تكتب مثل البشر، خاصة إذا تمت صياغة الأمر بشكل صحيح لها. كذلك، يمكن تزوير اللقطات والصور بتكلفة منخفضة. وبإمكان تكنولوجيا لم تصدر بعد، أن توجد محاكاة صوتية مقنعة.
هناك دلائل تشير إلى أن بعض الأبحاث الأكاديمية تحتوي على آثار لـ"جي بي تي 4". إذا وصل الأمر لأن يزوّر الأساتذة الجامعيون نتائجهم، فمن المؤكد أن الأمور خرجت عن السيطرة.
بمعنى آخر، فمع انتشار ثورة الذكاء الاصطناعي، ستنتشر أيضاً الأخبار المزيفة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وهذا أمر لا مفر منه، ولكن من الممكن إدارته، ما دام مستهلكو ومنتجو الأخبار يقومون بتعديلات كبيرة في الطريقة التي يستخدمون بها الإنترنت.
مع انتشار الذكاء الاصطناعي، ستمتلئ شبكة الإنترنت مستقبلاً بكثير من المحتوى المجاني المدعوم بالإعلانات، والمليء بالمواد المزيفة التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، التي صممت لتستهدف الشريحة الأقل اهتماماً بالتحقق والتدقيق.
السؤال الأول هو عما إذا كان أحد سيتنبه إلى ذلك أصلاً.
في النهاية، هناك بالفعل عديد من المواقع والمنافذ غير الموثوقة التي تقدم المحتوى الرديء، ومعظمها لا يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
كشف المحتوى المزيف
تكنولوجيا الكشف عن المحتوى المزيف باستخدام الذكاء الاصطناعي ستتطور وتتحسن، وسنشهد سباق تسلحٍ في هذا المجال. وطالما أن تقنيات كشف التزييف هذه تعمل بفاعلية، ستستمر شبكة الإنترنت المجانية المدعومة بالإعلانات. سيتمكن القراء والمستمعون والمشاهدون من استخدام الذكاء الاصطناعي الخاص بهم للعثور على المحتوى الذي يحبونه، وقد تفضل نسبة منهم المحتوى المزيف. ففي نهاية المطاف، لا يزال لدى "ويكلي وورلد نيوز" (Weekly World News) جمهوراً.
رغم افتراضنا أن برامج كشف التزييف تعمل بكفاءة، فإن المواقع الإخبارية الرئيسة ستواجه منافسة إضافية. ستقوم المواقع البديلة سواء كانت متحزبة أم مثيرة للجدل أو حتى ممولة من حكومات أجنبية، باقتباس محتوى الأخبار الرئيسة مع تحويرات وإضافات. وقد يكون بعض أكثر المنافسين فاعلية موثوقين بنسبة 98 %، لكن نسبة التزييف البالغة 2 % في بعض المجالات الحرجة، مثل تغطية الحروب الخارجية أو الفضائح الشخصية الشائنة، يمكن أن تكون مؤثرة بشكل كبير.
بطبيعة الحال، ستتطور المؤسسات الإعلامية للحد من تأثير هذه المشكلات. على الأرجح، ستوجد أفضل المواد الصحفية وأكثرها مصداقيةً على مواقع محررة بعناية فائقة، ومتاحة فقط عن طريق الاشتراك. ربما تقع هذه المواقع في أخطاء عرضية وتنشر مواد غير صحيحة، لكن مصداقيتها ستظل هي العامل الأهم الذي يميزها ويجذب القراء للاشتراك فيها.
دور وسائل الإعلام
ستعمل هذه المواقع جاهدةً على إنشاء محتوى يصعب على الذكاء الاصطناعي تقليده. على سبيل المثال، سيصبح للكُتّاب ذوي الشخصيات المميزة أهمية أكبر مقارنة بالكتاب المهرة ولكن الأقل شهرة. فحتى لو استطاع الذكاء الاصطناعي نسخ أسلوب الكاتب بول كروغمان على سبيل المثال، فهو لن يصبح بول كروغمان نفسه. يهتم عديد من قراء كروغمان برأيه الخاص في القضايا المطروحة، ولا يريدون نسخة طبق الأصل من الذكاء الاصطناعي مهما كانت جودتها. لذلك ستعمل المؤسسات الإعلامية بشكل أكبر على الترويج للعلامات التجارية الشخصية لكتابها.
ستحرص هذه المواقع أيضاً على جعل محتواها أكثر ذكاءً وتعقيداً. سيصعّب ذلك على المواقع المجانية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي إنتاج نسخ مشتقة.
على سبيل المثال، تستطيع خدمة "سورا" من "أوبن إيه آي" إنشاء مقطع فيديو جيد لمدة دقيقتين، لكن إنتاج مقاطع فيديو أطول بكثير قد لا يكون مجدياً من حيث التكلفة. لذلك، يمكن لبعض المؤسسات الإعلامية أن تبدأ بنشر مقاطع فيديو أطول.
أو لنأخذ مثالاً آخر هو البودكاست الذي يتضمن نقاشات متسارعة حول موضوعات معقدة. مرة أخرى، يصعب تخيل أن تشارك أشكال الذكاء الاصطناعي الحالية في مثل هذا النقاش. سيكون هناك أيضاً سباق تسلح في هذا المجال، حيث تسعى وسائل الإعلام الممولة بالاشتراك دائماً إلى البقاء في المقدمة.
مهمّة الصحافيين
الخبر السيئ هو أنه سيتعين على الصحافيين أن يعملوا بجهد أكبر. والخبر السار هو أن المشتركين سيصبحون أكثر ذكاءً وأكثر اطلاعاً. سيشير هذا الجزء من سباق التسلح إلى الجودة الأعلى من أي وقت مضى.
يمكن أن تتجه المؤسسات الإعلامية بشكل أكبر نحو مجال الفعاليات المباشرة. بغض النظر عن تقنية الهولوغرام، يصعب تخيل أن تقوم تقنيات الذكاء الاصطناعي حالياً بأي شيء مماثل، على الأقل ليس في المدى القريب.
بمرور الوقت، ومع استمرار تحسن أنظمة الذكاء الاصطناعي، قد تظهر مواقع اشتراك هجينة، بمحتوى من إنتاج الإنسان والذكاء الاصطناعي. وسيحددون من (أو ماذا؟) كان ينتج أي محتوى، بدلاً من محاولة حجبه. قد تحتوي المقالات التي كتبها البشر على روبوت ذكاء اصطناعي مرفق يمكنه تقديم مزيد من التفاصيل.
يحقُّ للناس أن يقلقوا بشأن التزييف الذي ينشئه الذكاء الاصطناعي، وأنا أشاركهم هذا القلق، لكن لدي أيضاً ثقة بأن وسائل الإعلام ستكون مبتكرة بما فيه الكفاية للتأقلم مع هذه الوقائع الجديدة.
خاص بـ "بلومبرغ "