أساسيات سوق النفط تعود للواجهة
على الرغم من استمرار الدعم من قبل تخفيضات "أوبك+"، تراجعت أسعار النفط في الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياتها في نحو شهرين،. وغذى هذا الانكماش المخاوف بشأن الطلب، استمرار أسعار الفائدة المرتفعة، تراجع المخاطر الجيوسياسية.
مع ذلك، تبدو توقعات النفط أكثر تفاؤلا على المستوى العالمي. فوفقا لعديد من المحللين، يُظهر ميزان العرض والطلب على النفط هذا العام تشددا كبيرا، عكس الفائض الكبير أوائل 2023. حيث، يُظهر نموذج ستاندرد تشارترد سحبا تراكميا للمخزون العالمي قدره 189 مليون برميل في النصف الأول من 2024 مقارنة بزيادة قدرها 218 مليون برميل تم تسجيلها خلال الفترة المقابلة من العام الماضي، ما أدى إلى فائض في السوق وتسطح منحنيات الأسعار الآجلة.
في الأسبوع الماضي، تأثرت معنويات السوق بشدة بعوامل الاقتصاد الكلي وإشارات السياسة النقدية الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وعلى الرغم من إبقاء أسعار الفائدة ثابتة، إلا أن تحذيرات الفيدرالي بشأن استمرار ارتفاع معدلات التضخم تشير إلى أن تخفيضات أسعار الفائدة قد تتأخر، ما يفاقم مخاوف المستثمرين بشأن التوقعات الاقتصادية.
أسعار الفائدة المرتفعة تعمل على تقوية الدولار، ما يجعل النفط أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى، وبالتالي من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب. وتؤثر هذه البيئة أيضا في الإنفاق الاستهلاكي واستثمارات الأعمال، ما يزيد من مخاطر انخفاض الطلب على النفط.
نتيجة لذلك، سجلت أسعار النفط الأسبوع الماضي خسائر أسبوعية كبيرة، حيث انخفضت أسعار برنت بنسبة 5.9% وأسعار خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 6.8%. ويفسر محللو السوق الانخفاضات الأخيرة على أنها مدفوعة إلى حد كبير باتجاهات السوق المالية، وتراجع علاوة المخاطر الجيوسياسية بسبب المحادثات حول وقف محتمل لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وليس بالتغيرات المباشرة في أساسيات سوق النفط.
وعلى جانب العرض، تظل" أوبك+" نقطة محورية حاسمة. من المقرر أن يُعقد الاجتماع المقبل للمجموعة في الأول من يونيو. وقالت ثلاثة مصادر من المجموعة، إنها قد تمدد تخفيضاتها الطوعية إلى ما بعد يونيو إذا لم يرتفع الطلب على النفط. وتفكر "أوبك+"، بما في ذلك الأعضاء الرئيسين مثل السعودية وروسيا، في تمديد تخفيضاتها الكبيرة في الإنتاج إلى ما بعد يونيو إذا لم تتحسن توقعات الطلب. ومن المتوقع أن يكون لهذا القرار تأثير كبير على تحركات أسعار النفط في الأشهر المقبلة.
وعلى جانب العرض أيضا، أسهم الارتفاع غير المتوقع في مخزونات النفط الخام الأمريكية في الضغط الهبوطي على أسعار النفط. وفقا لمعهد البترول الأمريكي تم تسجيل زيادة كبيرة في المخزون بلغت 4.91 مليون برميل، وهذا انحراف كبير عن الانخفاض المتوقع البالغ 1.1 مليون برميل. وتشير هذه الزيادة في المخزون، إلى جانب الزيادة الملحوظة في إنتاج النفط الخام الأمريكي إلى 13.15 مليون برميل يوميا في فبراير مقارنة بـ12.58 في يناير، إلى وجود فائض في المعروض في السوق. وتؤدي مثل هذه الظروف عادة إلى الضغط على الأسعار، حيث يفوق العرض الطلب.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن السوق تتجه نحو الانخفاض بحذر على المدى القصير، نظرا لحالة عدم اليقين الاقتصادي السائدة واحتمال انخفاض الطلب. ولكن، إذا قررت" أوبك+" الحفاظ على تخفيضات الإنتاج أو حتى تعميقها، وإذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية بشكل غير متوقع، فقد يكون هناك ضغط تصاعدي على الأسعار. يجب على السوق أيضا مراقبة بيانات الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة وتحديثات مستويات إنتاج النفط الخام، التي ستكون حاسمة في تشكيل توقعات السوق.