كيف تدعم المدخرات الصينية التحول الأخضر العالمي
مرة أخرى، تتصاعد التوترات المحيطة بالنظام التجاري العالمي، مع تحول الصين إلى هدف للانتقادات من جوانب عديدة. فقد حثت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الحلفاء الموجهين حسب السوق على إقامة "جدار معارضة" للصين فيما يتصل بقدرتها الصناعية الفائضة، التي تزعم أنها نتيجة لإعانات دعم حكومية سخية وغير ذلك من السياسات الصناعية. على نحو مماثل، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى اتخاذ إجراءات ضد "المنتجات المدعومة" الصينية، من المركبات الكهربائية إلى الصلب، التي "تجتاح السوق الأوروبية".
لكن معدلات الادخار الوطنية في الصين تظل قريبة بعناد من 45 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 26 % في الاتحاد الأوروبي وأقل من 17 % في الولايات المتحدة. على مدى عقود من الزمن، كانت هذه المدخرات توجه في الأغلب نحو الاستثمار في العقارات والبنية الأساسية، الذي بلغ لفترة طويلة ما يقدر بنحو 25 % إلى 30 % من الناتج المحلي الإجمالي. لكن نصيب كل فرد في الأسر الصينية من مساحة المعيشة يزيد على 41 مترا مربعا (نحو 441 قدما مربعا)، وهو ذات نصيب الفرد في المتوسط الأوروبي، كما تتمتع الصين ببنية أساسية متطورة للنقل، تشمل خطوط قطارات فائقة السرعة أكثر من بقية بلدان العالم مجتمعة. وما لم تكن الصين راغبة في مزيد من المدن المهجورة والطرق السريعة الخاوية، فإن إبطاء الإنفاق على البناء أمر لا مفر منه.
الصين أكبر كثيرا من اليابان بطبيعة الحال، نحو 12 ضعف عدد السكان، وخمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي. ولكن في أوج ازدهارها في ثمانينات القرن العشرين -عندما كان الاقتصاد العالمي أصغر كثيرا مما هو عليه اليوم- كانت اليابان تمثل نحو 17 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وحصة مماثلة من التجارة العالمية. وهذا لا يقل كثيرا عن حصة الصين اليوم. وفي حين من المنتظر أن تصبح الصين أكثر أهمية بدرجة كبيرة مقارنة بأي مستوى بلغته اليابان في أي وقت مضى -حيث يترجم عدد سكانها الأضخم إلى إمكانات نمو هائلة- فإن وزنها النسبي في الاقتصاد العالمي اليوم يماثل وزن اليابان قبل بضعة عقود من الزمن.
وعلى هذا فإن دولة غنية برأس المال مثل الصين تتمتع بميزة طبيعية في التحول الأخضر. بهذا المعنى، لا تعد القدرة الفائضة عيبا، بل سمة من سمات الاقتصاد الذي يتمتع بفائض من المدخرات. الواقع أن المنتجين الصينيين من المرجح أن يهيمنوا على الصناعات الخضراء، مثل الطاقة المتجددة، والبطاريات، والمركبات الكهربائية، حتى في غياب أي إعانات دعم حكومية خاصة.
ولأن التحول الأخضر الأسرع يعود بالفائدة على الجميع، فيجب أن تكون النظرة إلى المدخرات المرتفعة في الصين ليس بوصفها مشكلة يجب حلها، بل كفرصة يجب اغتنامها. من المؤسف أن الولايات المتحدة مهووسة بمنافستها الجيوسياسية مع الصين إلى الحد الذي جعلها تغلق سوقها فعليا أمام المنتجات الصينية الخضراء. ويعد القرار الأخير الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بمضاعفة التعريفة الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية 4 أمثال، ليصل المعدل إلى 100 %، مثالا واضحا على ذلك.
الواقع أن الاتحاد الأوروبي أقل انشغالا بالمنافسة الجيوسياسية مع الصين. ذلك أن الكتلة لا تتمتع بموقف مهيمن قد تخسره، وهي تدير فائضا تجاريا كبيرا في الإجمال، مع انخفاض وارداتها من الصين خلال العام الماضي. ولكن على الرغم من هذا الموقف الإيجابي في مجمل الأمر، فرضت مفوضية الاتحاد الأوروبي أخيرا رسوما جمركية مضادة للدعم بنحو 20 % على الواردات من المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات من الصين. هذه خطوة في الاتجاه الخاطئ، وإن كانت على الأقل أكثر اعتدالا من الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة بنسبة 100 %.
بدلا من تنفيذ تدابير الحماية لمنع السلع الصينية من "اجتياح" سوقه، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يرحب بالسلع الخضراء الرخيصة القادمة من الصين، وأن يسخر فعليا المدخرات الصينية لخفض تكلفة التحول إلى الطاقة النظيفة.
خاص بـ " الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.