حرب تعريفات جمركية لا تتوقف
"الأخطار غير مقبولة على الاقتصاد الأمريكي، نتيجة ممارسات صينية غير عادلة"
جو بايدن،
رئيس الولايات المتحدة
لن تتوقف المواجهات التجارية بين الغرب عموما والصين، بالرغم من دعوات الطرفين إلى التهدئة، والوصول إلى تفاهمات تزيل التوتر بينهما. وهذا الأخير ليس جديدا بالطبع ويعود إلى منتصف العقد الماضي، عندما اتخذت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، سلسلة من الإجراءات ضد الصين تصدرتها التعريفات الجمركية. وكلما حدث انفراج ما، عاد التوتر ليسيطر على الأجواء، كما أن المواجهات تعمقت حتى بوصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، حيث كان المسؤولون الصينيون يأملون بسياسة أمريكية تجارية أكثر مرونة حيالهم، وأقل عداء، مقارنة بطبيعتها في فترة ترمب. هذا الأمر ينطبق أيضا على العلاقات التجارية بين بكين والاتحاد الأوروبي، الذي بات يبني السياسات المستقبلية على أرضية "قضم" ما أمكن التوسع التجاري للصين على أراضيه.
المشهد العام ليس مطمئنا، فلا مؤشرات تدل إلى تراجع حدة المواقف بين الأطراف المعنية. فالجانب الغربي مقتنع تماما بأن سياسات الإغراق التي تتبعها الصين مستمرة بل وتتوسع بأشكال مختلفة. ولأن الأمر كذلك أبقى جو بايدن على رسوم جمركية بقيمة 300 مليار دولار كان سلفه فرضها سابقا على الصين، وسط تهديدات من الأخيرة بالرد في "المواقع المؤثرة". والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل شمل تعهد إدارة بايدن بزيادة تعريفات أخرى بـ4 أمثالها إلى أكثر من 100 %، ولا سيما على منتجات المركبات الكهربائية. وهذه الأخيرة تسبب بحد ذاتها قلقا بالغا ليس للأمريكيين فحسب، بل للأوروبيين أيضا، الذي فرضوا بالفعل زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية عليها، ما أسهم في التقليل من آثار الزيارة التي قال بها الرئيس الصيني شي جين بينج لأول قبل أسابيع عدة.
يريد المسؤولون الصينيون أن يبعدوا قدر الإمكان الاتحاد الأوروبي عن تأثيرات السياسة الأمريكية الخاصة بالتجارة والتعريفات الجمركية، لكن الأمر ليس سهلا على الإطلاق، خصوصا مع ظهور التأثيرات السلبية للواردات الصينية إلى البر الأوروبي عموما. إلا أن زيادة الرسوم الأوروبية تبقى أقل 50 % من تلك التي تفرضها الولايات المتحدة. هي سياسات حمائية تقوم بها الأطراف جميعها، وتتعمق هذه السياسات إلى درجة أن بلغت مستوى "الحرب" الطويلة التي يمكن أن تتشعب بصورة أكثر خطورة في المرحلة المقبلة. ولا شك في أن الجانب الغربي بدأ ينظر إلى المسألة برمتها من زاوية "أمن قومي" حقيقي، والأمر لا يختلف بالطبع على الجانب الصيني. غير أن حرب التعريفات تنال ممن يرفعها وممن يتلقاها في آن معا.
الزيادات الجمركية الأمريكية (وحتى الأوروبية) على السلع الصينية، تعد ضرائب إضافية على الأمريكيين أيضا. لماذا؟ لأنها تضر بصورة كبية الأسر ذات الدخل المنخفض التي تعتمد أساسا على شراء السلع المستوردة الرخيصة. وهذه معضلة يفهمها المشرعون الغربيون عموما. فزيادة التعريفات تهدف في الأساس إلى تقليل الاعتماد على السلع الصينية تحديدا، ولا تستهدف جمع الأموال. بل تدخل أيضا في نطاق القيود والمعاملة بالمثل، من أجل حماية الصناعات الوطنية، وتشجيع المستثمرين الأمريكيين في الخارج للعودة إلى البلاد وإطلاق مشاريعهم فيها.
وهنا نقطة مهمة لا بد من معالجتها بأسرع وقت سواء من جانب الأمريكيين أو الأوروبيين. فعدد الأسر الأوروبية التي تعتمد على السلع الصينية الرخيصة، والتي تتضرر من زيادة التعريفات الجمركية، كبير ويزداد كثرة، ولا سيما في العامين الماضيين عندما أدت الموجة التضخمية إلى مزيد من الأعباء على الساحتين. ولا شك في أن التفاهم قدر الإمكان بين "المتصارعين" على جبهة التعريفات، سوف يقلل من آثارها السلبية في الجميع.