الابتكار في الجامعات .. مشكلات وحلول
إذا أردنا أن نصف الجامعات فلعلنا نقول إنها مُؤسسات معرفية غايتها الإنسان، وتتمثل أهدافها في تعزيز ثقافته، وتأهيله معرفياً للقيام بأعمال مهنية مُختلفة، فضلاً عن تحفيز قدرته على التفكير وتنميتها، واستخدامها في حل المشكلات، والإسهام في توليد المعرفة وتجددها، والسعي إلى توظيفها والاستفادة منها.
وعلى هذا الأساس تُعزز الجامعات اهتمامات البشر المعرفية، وتُفعل قدرتهم على التفكير، وعلى التنافس والعطاء، فضلاً عن التواصل والتعاون أيضاً. وللجامعات أثر اجتماعي على حياة الإنسان، يتضمن على سبيل المثال، لا الحصر، زيادة الوعي الصحي، والحد من الجرائم، وغير ذلك. ولها بالطبع، أثر اقتصادي يتضمن توفير المُؤهلين للتوظيف، والارتقاء بإنتاجيتهم وإبداعاتهم، ليسهم بذلك في توليد الثروة، وتحقيق التنمية، وتعزيز استدامتها.
ويُمكن النظر إلى أي جامعة، في إطار ما سبق، كمنظومة تتضمن عناصر حية تقوم بأداء مهمات معرفية، بمساعدة عناصر تتمثل في أدوات وأجهزة مُفيدة، ضمن إطار بيئة عمل، وحوكمة داخلية تُفعل الأداء، أو ربما تُؤدي إلى إحباطه في بعض الأحيان. وتُحاط منظومة الجامعة عادة بالمُجتمع المحلي، ثُم الدولي، كبيئة خارجية تُؤثر فيها وتتأثر بها.
تشمل العناصر الحية في المنظومة طُلاباً وأساتذة وإداريين؛ ويستخدم هؤلاء الأجهزة والأدوات المُختلفة لتنفيذ أعمالهم. وترتبط هذه الأجهزة والأدوات بجانب عام مُفيد للجميع كالحاسوب والإنترنت، وما يتعلق بذلك من تطبيقات في مُختلف المجالات، وكذلك بجانب خاص كأجهزة المُختبرات في الأقسام التخصصية المُختلفة.
ولنشاطات الجامعة محوران رئيسان، محور أفقي يحتوي على مُختلف التخصصات المعرفية التي تُقدمها الجامعة، ثُم محور عمودي يتضمن مهمات مُتكاملة في إطار كُل تخصص، تتضمن التعليم، والبحث العلمي، إضافة إلى ما يُعرف بالمهمة الثالثة التي تشمل الشراكة مع المُجتمع، والتعلم المُستمر مدى الحياة، فضلاً عن نقل المعرفة المُتجددة وما يرتبط بها من تقنية. ويبرز، في هذا المجال، موضوع الابتكار، وما يستهدفه من معرفة حية، قابلة للتطبيق، وتقديم مُعطيات مُفيدة.
يبحث الابتكار في المعرفة الحية القابلة للتطبيق، وتقديم قيمة قادرة على الإسهام في التنمية. وهو يسعى إلى هذا التطبيق، ويعمل على جذب رأس المال والاستثمارات إليه، من أجل تحقيق التنمية المنشودة. وتُعد نشاطات الجامعات في التعليم، والبحث العلمي، والاكتشاف والإبداع، روافد للابتكار تُعزز نشاطاته، وتُساعد على التوسع في عطائه. لكن هذه الروافد تبقى غير كافية للابتكار المنشود كي يُحقق تطلعاته، فهو يحتاج، إضافة إليها، إلى بحوث ابتكارية، تجريبية وتطويرية، تنقل الأفكار المُفيدة إلى السوق كمُنتجات، تشمل سلعاً وخدمات، تتمتع بالفاعلية والكفاءة المُناسبة للمُتطلبات، والتحديات التنافسية. وتتطلب مثل هذه البحوث استثمارات خاصة، يقود نجاحها إلى تفعيل الاستثمار في الإنتاج وزيادته باطراد، حيث يقود ذلك إلى توليد الثروة، وتشغيل اليد العاملة، واكتساب الخبرة.
تُقدم الجامعات في بحوثها الأكاديمية اكتشافات ونظريات غير مسبوقة، إضافة إلى أفكار إبداعية نظرية وتطبيقية. وتأخذ مثل هذه المُعطيات طريقاً من 3 طرق: طريق أول يقود إلى النشر العلمي الذي يُمثل إنجازاً معرفياً حضارياً مُهدى إلى الجميع حول العالم بأسره؛ وطريق ثان يتجه نحو براءات الاختراع، حيث يتم تسجيل الأفكار الإبداعية، بهدف حفظ حقوق استخدامها لأصحابها فقط دون غيرهم؛ ثُم طريق ثالث إلى البحوث الابتكارية، التجريبية والتطويرية، التي تُقدم مُنتجات، تشمل سلعاً وخدمات، تُسهم في التنمية وتُعزز استدامتها. وتحتاج الاستفادة من براءات الاختراع إلى استثمارات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البحوث التجريبية والتطويرية.
لا تملك الجامعات عادة القوة الاستثمارية اللازمة للطريقين الثاني والثالث، أي الطريقين نحو التنمية المنشودة. لذلك نراها تُركز على جانب النشر العلمي المُهدى للجميع من جهة، وتلجأ إلى التعاون والعمل مع المُؤسسات والشركات في القطاعات الإنتاجية المُختلفة من جهة أخرى. وقد قدمت وسائل وأساليب لتحقيق ذلك، مثل حاضنات التقنية المُتخصصة، ومثل أودية التقنية الأوسع نطاقاً. ولعل من المُناسب الإشارة هُنا إلى مدى صعوبة نجاح مثل هذه الوسائل في غياب البيئة المُناسبة للعمل المُشترك بين منظومات الجامعات من جهة، ومنظومات المُؤسسات والشركات ذات العلاقة من جهة أخرى، وبصورة خاصة مدى أثر البيئة الداخلية لكُل منهما على البيئة المُشتركة المنشودة.
لدينا جامعات مشهود لها ولإمكاناتها وعطائها المعرفي؛ ولدينا مُؤسسات وشركات تتمتع بالتجربة والخبرة؛ ثُم لدينا رؤية للتنمية وأهداف مُرتبطة بها، وإرادة للعمل والإنجاز والمُنافسة مع الآخرين. وعلينا التوجه نحو شراكة فاعلة بين الجامعات والمُؤسسات والشركات، تُؤدي إلى تفعيل التنمية، وإلى بناء الخبرة التي تُعزز استدامتها.