تنظيم الحج ضرورة والسعودية لا تجزئ العمل الإنساني
لم توفر السعودية فرصة قبل مواسم الحج ولا سيما الموسم الأخير، إلا ووضعت على رأس طلباتها، بل وتحذيراتها توجيه الساعين لأداء هذه الفريضة حول العالم، للالتزام بالقواعد والقوانين، حرصاً على سلامتهم وأمنهم وصحتم. وعلى رأس هذه القوانين، التسجيل الرسمي المعتمد من قبل السلطات المختصة في السعودية. فكي تقوم بواجباتها على أكمل وجه، عليها أن تسجل كل حاج، لتوفير الرعاية له من يوم وصوله وحتى عودته إلى بلاده. إنها عملية طبيعية وحتمية في مناسبة تستقطب نحو مليوني مسلم ساع لأداء هذه الفريضة، خلال أيام معدودات. كل هذا الحرص يستند إلى جودة التنظيم التي أتت بدورها من تراكم لا يتوقف من الخبرات أضافتها السلطات المختصة إلى رصيدها، بإشراف مباشر من أعلى هرم حكومي في البلاد. فضيوف الرحمن أمانة، وهم فوق كل اعتبار.
أتت النظرة الإيجابية حيال موسم الحج الأخير، من الجهة الأهم، وهي البعثات والوفود، التي تعمل وتتعاون وتنسق مع حكومة السعودية، من أجل إتمام الفريضة على أكمل وجه، واختبرت هذه الجهة لأعوام طويلة أداء السلطات المختصة، عبر تعاونها المباشر مع وزارة الحج والعمرة، من أجل ماذا؟ من أجل تلبية المتطلبات الخدمية والتنظيمية، لتسهيل تأدية الحجاج مناسكهم بطمأنينة وأمان وسلامة ويسر. حتى أن الوفود والبعثات لا ترى القدرة إلا للسعودية في إتمام ذلك. وهي تستند في خبراتها المتراكمة إلى تاريخ بدأ منذ 100 عاما، نقلت رعاية الحجاج وتنظيم المواسم كلها من مستوى متطور إلى آخر، وبالتالي حققت النجاح تلو الآخر، بأعلى معايير الجودة. إنها عملية صعبة بل ومعقدة، لكنها ليست كذلك، عندما تكون الأسس قوية وعبر كيف رأينا تغيرات الأرقام في عدد الحجاج الوافدين إلى الأماكن المقدسة حيث يؤودون مناسكهم بطمأنينة وهدوء واستقرار في ظل تقديم خدمة نوعية ومتوافرة.
الحج قبل قرون كان رحلة شاقة ويعاني الحجاج كثيرا حتى يصلوا إلى مكة المكرمة، لكن التطوير المستمر للأساليب والأدوات لأداء الفريضة، جعل التجربة برمتها سلسة وسهلة وممتعة، إلى جانب مخرجاتها الدينية التي لا تقدر بثمن. ولأن الأمر كذلك، انخفضت الوفيات التي تحدثت عادة في كل التجمعات الكبرى إلى مستويات متدنية جدا، مقارنة مع عديد الحجاج سنويا. ولذلك يمكن فهم أن الأغلبية العظمى من أولئك الحجاج الذين توفاهم الله في الموسم الأخير، كانوا غير مسجلين، وبالتالي لم يتمكنوا من الوصول إلى الخدمات التي يستحقها أي حاج. فمن أصل 1301 حالة وفاة، كان منها 1079 وفاة لحجاج لم يكونوا في القوائم الرسمية، وحتى أولئك الذين احتاجوا إلى الرعاية الصحية، حصلوا عليها عندما عرفت السلطات بأمرهم، وبينهم ممن زال يتلقاها حتى الآن. فالحق الإنساني لا يتجزأ في السعودية، بصرف النظر عن طبيعة الحالة.
المسألة بسيطة، وحلها يكمن في مقاومة حملات الحج الوهمية التي "تتوالد" عادة على مشارف التحضير لموسم الحج، وتختفي فور تحقيق غاياتها، بسلب الأموال وبيع الأوهام، وترك ضحاياها لمصيرهم. واستغلت كثير من الشركات التي تعمل في استخراج تأشيرات الزيارات التي وفرته السعودية لخدمة السياح والزائرين وخدعت بعضهم بانهم أداء المناسك بها، والأمر ليس صعبا في كشف هذه الجهات أو "العصابات الموسمية" وتفادي الأضرار والخسائر والمآسي الشخصية الحقيقية الناجمة عنها. لا بد من الالتزام الكامل بكل ما يصدر من السعودية من أنظمة وتعليمات وإرشادات وتوعية، لحفاظ على أمن وسلامة الحجاج. وهذا ما قاله ممثل وفود الحج أمام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وشدد عليه من أجل تحقيق الغايات كلها، ومنها الانسجام والتفاهم بين جميع الوفود، وحصر هذه الشعيرة بهدفها الديني والتعبدي، وهي عوامل أساسية لإنجاح مواسم الحج عموما. وهذا أيضا يبرز دور المؤسسات والجهات المختصة في السعودية المتطور في إتمام الموسم، بما في ذلك توفير الرعاية الصحية لمن يحتاجها، حيث قدمت منظومة الصحة أكثر من 465 ألف خدمة علاجية تخصصية، واللافت أن 141 ألف خدمة كانت نصيب أشخاص غير مصرح لهم بالحج.
أثبتت السعودية على مدار قرون، أنها لا تنجز مواسم الحج فقط، بل تستكملها بأعلى معايير الجودة أيضاً، وتفتح الباب تلو الآخر، لأي مخططات تطويرية جديدة، وتطرح المبادرات والأفكار للحصول على النتائج التي تسهر عليها جميع الجهات والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة بنشاطات وأعمال الحج.