انخفاض البطالة نابع من التنوع الاقتصادي
تباطأ معدل البطالة بين المواطنين إلى أدنى مستوى تاريخي له منذ أول نشرٍ رسمي لمعدلات البطالة في سوق العمل المحلية، ليستقر مع نهاية الربع الأول من العام الجاري عند مستوى 7.6%، مقترباً بدرجةٍ كبيرة من معدله المستهدف الوصول إليه 7%، وفقاً لنهاية المخطط الزمني لرؤية المملكة 2030.
وقد دفع إلى تحقق هذا المنجز التنموي على مستوى أحد أهم مؤشرات الأداء الاقتصادي الكلي، تضافر عديد من العوامل الأساسية، جاء في مقدمتها جني ثمار ما تم من تحولاتٍ جوهرية أجريت على برامج التوطين قبل أكثر من عامين ونصف، اتسمت بإضفاء مزيد من المرونة على الخصائص المختلفة للوظائف في سوق العمل، وتركيز تلك البرامج بدرجةٍ أكبر على المزايا وقوة الطلب على الوظائف المتاحة في النشاطات المختلفة، ما وفّر إمكانية الإسراع بنمو الوظائف الأكثر طلباً من الموارد البشرية المواطنة، ما أدّى إلى ارتفاع إجمالي العمالة المواطنة في القطاع الخاص خلال الفترة بصافي تجاوز 400 ألف وظيفة، وليصل إجماليهم بنهاية الربع الأول من العام الجاري إلى أعلى من 2.3 مليون عامل، وهو أعلى مستوى تاريخي يسجله القطاع الخاص من الوظائف المشغولة بعمالة مواطنة.
وفي جانبٍ آخر من تلك العوامل الأساسية التي دفعت إلى خفض معدل البطالة بين المواطنين، ما تمثّل في القدرة والمرونة العالية التي امتاز بها أداء القطاع غير النفطي طوال الفترة الماضية، برز فيه أداء القطاع الخاص كأكبر مكوّن للقطاع غير النفطي بمحافظته على وتيرة النمو المطرد رغم التقلبات التي شهدتها سوق النفط العالمية، حيث تمكّن من النمو بمعدلٍ حقيقي بلغ 3.4% بنهاية الربع الأول من العام الجاري، مخففاً إلى حدٍ بعيدٍ من آثار تراجع القطاع النفطي لنفس الفترة بـ 11.1%، ما دفع بدوره إلى الوصول بمعدل نمو سنوي لوظائف المواطنين العاملين في القطاع إلى 5.1% بنهاية الربع الأول 2024، مقارنةً بنموه السنوي البالغ 4.8% بنهاية الربع الأخير من 2023، ومما لا شك فيه أنّ أهمية ما تحقق أعلاه من منجزاتٍ تنموية على مستوى خفض معدل البطالة، وتحسين وفرة فرص العمل أمام الموارد البشرية المواطنة، أتى في ظل التحديات الجسمية التي تواجهها عموم أسواق العمل حول العالم، نتيجة السياسات النقدية المتشددة لمواجهة التضخم العالمي، وهو ما بدأ ظهوره على أغلب أسواق العمل في الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حدٍ سواء، بارتفاع معدلات البطالة في تلك الأسواق.
تؤّكد حزمة المنجزات التنموية الملموسة أعلاه على مستوى سوق العمل المحلية، وعلى مستوى تسارع توظيف الموارد البشرية المواطنة على وجه الخصوص، أهمية تعزيز برامج ومبادرات التوطين المحلية بمزيد من التقدّم، وتزداد أهميتها في ظل الأوضاع غير المواتية التي لا زال الاقتصاد العالمي يرزح تحت ضغوطها المتجددة والمتنوعة من حينٍ لآخر، والمتوقع ألا تتقلّص أخطارها في منظور العامين المقبلين على أقل تقدير، وتكاملها مع السياسات الاقتصادية الحصيفة التي وفّرت كثيراً من الاستقرار والمتانة للاقتصاد الوطني في وجه تلك المتغيرات الخارجية.
وتأتي أهمية هذا الحديث قياساً على عديدٍ من الاعتبارات؛ في مقدمتها النمو المتصاعد لمخرجات التعليم العالي والفني والعام من الموارد البشرية المواطنة، التي يتطلب توفير مزيد من الوظائف أمامها جهوداً أكبر من كل ما سبق بذله وتسخيره، وأن تندفع منشآت القطاع الخاص بخطى أسرع نحو الاعتماد بدرجةٍ أكبر على الموارد البشرية المواطنة، التي أثبتت كفاءتها ومهاراتها العالية في أهم نشاطات الاقتصاد الوطني، المندفع بدوره نحو مزيدٍ من تنويع قاعدته الإنتاجية تحت مظلة رؤية المملكة 2030.