الحج .. التجارب والقدرات الاستثنائية

المتتبع لمشاهد رحلات الحج التاريخية، يجد أنها كانت تتضمن أعدادا قليلة من الحجاج وكانت هذه الرحلات شاقة ومحفوفة بالأخطار بدرجة كبيرة جدا، واليوم أصبحت بفضل الله مع التطور الكبير الذي نشاهده في موسم الحج رحلة سهلة وميسرة وبأعداد مليونية غير مسبوقة وذلك يعكس ما توليه السعودية من الاهتمام والاستعداد الكبير لهذ الموسم منذ فترة طويلة، ولذا أصبحت كيانتها المعنية في الجهات الحكومية والموارد البشرية وغيرها، متخصصة في هذا المجال وتعمل بكل جهد واتقان لتوفير كل وسائل الأمن والسلامة لراحتهم، من خلال التنظيمات والتجهيزات من جميع الجهات جعلها تحوز على شهادات دولية مرموقة، من أبرزها شهادة منظمة الصحة العالمية. 
ونظرا لتوافد ملايين الحجاج في أيام محددة يتطلب تنظيم لهذه الوفود بمستوى عالٍ من الدقة والاتقان، والقدرة على التعامل مع كثير من التحديات سواء كانت لوجستية أو صحية أو أمنية وغيرها، وفي حج هذا العام 1445هـ، أثبتت السعودية قدرتها الاستثنائية على إدارته وتجلت قدرتها التنظيمية في عدة جوانب رئيسة، منها في التخطيط المسبق والتنسيق المحكم بين مختلف الجهات الحكومية مثل وزارتي الحج والعمرة، وزارة الصحة، ومختلف الأجهزة الأمنية وغيرها.
وفي هذا الإطار استمرار المشاريع التطويرية للبنية التحتية كجزء من رؤية 2030، التي تركز على تحسين الخدمات المقدمة للحجاج وزيادة طاقتها الاستيعابية، ولم تقتصر التنظيمات والاستعدادات على البنية التحتية فقط، بل شملت التنظيمات والإرشادات والتصاريح الإلكترونية للحج من خلال أنظمة إلكترونية تنظيمية محكمة، ما يسهم في تنظيم أعداد الحجاج وتقليل الازدحام وتسهيل عملية أداء المناسك بانسيابية.
ولأهمية الابتكارات والتقنيات المتطورة تم ادخال عديد منها، ما ساعد في تحسين تجربة الحجاج وتسهيل أداء الشعائر، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتقديم تنبؤات دقيقة حول حركة الحشود وإدارة الأزمات بشكل فوري حيث أسهمت هذه التقنية في تحسين توزيع الحجاج وتجنب الازدحامات في المواقع الحيوية، كما أن هذه الأنظمة تمكّن الجهات المعينة من تحديد المناطق التي تحتاج إلى تدخل فوري، ما يسهم في تحسين إدارة الحشود بشكل عام وعزز من كفاءة العمليات التنظيمية، وتم كذالك توفير تطبيقات رقمية تعتمد على الواقع المعزز لتوجيه الحجاج وإرشادهم في المناطق المزدحمة والمعالم الدينية، ساعدت مثل هذه التقنيات في تقديم تجربة تفاعلية وتعليمية للحجاج، خاصة لأولئك الذين يؤدون الحج لأول مرة، تطبيقات الواقع المعزز تظهر للحجاج المسارات والمعلومات بشكل ثلاثي الأبعاد.
لقد أظهرت السعودية في جميع مواسم الحج قدرتها الفائقة على التنظيم وكفائتها العالية في ذلك حيث مكنت من تسخير جميع الموارد والتقنيات الحديثة لضمان سلامة وراحة الحجاج، وعكست جميع هذه الجهود تفاني وإخلاص الحكومة في خدمة ضيوف الرحمن، وذلك يؤكد مكانتها كقائدة للعالم الإسلامي في تنظيم مثل هذه المناسبات العظيمة، ولعل إشادة كلمة ممثل وفود وبعثات الحج أثناء الحفل الختامي لهذا العام بما تقوم به من تنظيم وخدمات متطورة لضيوف الرحمن، ما جعل أداء المناسك بيسر وطمأنينة، يؤكد أن ما تقوم به الحكومة لا يمكن أن تقوم بها أي دولة أخرى بنفس الكفاءة والدقة والإتقان.
ومع كل هذه الاستعدادات الشاملة، إلا أن أهمية التزام الحجاج بجميع التعليمات والإرشادات والتنظيميات الصادرة، يعد من الأمور الضرورية لتحقيق نجاح وسلامة وأمن هذا الموسم، وهذا ما أكده وزير الصحة السعودي على أن جميع الاستعدادات الصحية وجميع التدابير الوقائية لضمان سلامة الحجاج تتم بنجاح حال الالتزام بذلك، إلا أن عدم اتباع التعليمات والطرق النظامية بما في ذلك اتباع المسارات المحددة، والالتزام بمواعيد التجمع، والتعاون مع الجهات المنظمة في جميع الأوقات هو ما قد يؤدي إلى حدوث خلل في النظام والتنظيم، وما قد يعرقل سير عمليات الحج ويعرض سلامة وصحة الحجاج للخطر، وهنا يأتي دور بعثات الحج الدولية، الذي يكمن في التنسيق والتعاون المستمر مع الجهات ذات العلاقة لضمان توفير أفضل الخدمات للحجاج، ويشمل ذلك تبادل المعلومات والخبرات وأفضل الممارسات لضمان تجربة حج مريحة وآمنة، ويشكل عاملا أساسيا في تسهيل الإجراءات وتنظيم الحشود، ما يسهم في تحقيق تجربة حج سلسة ومنظمة.            
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي