فوز ساحق بهموم هائلة


"أعدكم بالتجديد الوطني، ووضع البلاد أولاً والحزب ثانياً"
كير ستارمر، رئيس وزراء المملكة المتحدة الجديد

لنضع الفوز الساحق الذي حققه حزب العمال البريطاني في الانتخابات العامة جانباً، وكذلك الأمر مع خسارة أسماء كبيرة في حزب المحافظين مقاعدها البرلمانية، بما في ذلك رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، وأيضاً وصول حزب الإصلاح اليميني المتطرف إلى مقاعد برلمانية قليلة جداً جداً لكنها تعطي دلالات كبيرة. هناك أشياء غير مسبوقة حصلت بالفعل في هذه الانتخابات، مثل خسائر الحزب القومي الإسكتلندي في معقله، فضلا عن التبدل الانتخابي في أيرلندا الشمالية، وغير ذلك من تحولات يمكن ببساطة وصفها بالتاريخية، قلبت موازين، وصححت جانباً من المشهد السياسي العام للمملكة المتحدة، التي رزحت 14 عاماً تحت حكم المحافظين، مر خلاله خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وموجة تضخمية هائلة، وحرب مستعرة في قلب أوروبا، فضلاً عن حرب أهلية حقيقية ضمن حزب المحافظين، أسهمت في اقترابه من حد "الانقراض".
لنترك كل هذا جانباً، الأهم هو كيف ستواجه حكومة العمال المعتدلة الجديدة الأزمات والمشكلات على الساحة المحلية، قبل الانطلاق نحو الساحتين الأوروبية والدولية. لا يمكن لأي حزب منتخب حتى ولو وصل إلى الحكم بأغلبية ساحقة للغاية، إلا أن يعالج وبسرعة هذه المشكلات، التي بلغت حداً خطراً ليس فقط من عدم الاستقرار السياسي لحكومة المحافظين السابقة في السنوات الخمس الماضية على الأقل، بل من تدهور الحالة المعيشية في البلاد، عبر الغلاء، وارتفاع نسبة أولئك الذين يعيشون على حافة الفقر، وتراجع الخدمات العامة ولا سيما الصحية منها، وزيادة كبيرة جداً في تكاليف الاقتراض، ما أثر بقوة في القروض السكنية، إلى جانب ارتفاع غير مسبوق في أسعار الطاقة المنزلية. ولا ننسى المسألة المربكة المتعلقة باللاجئين غير الشرعيين.
الهموم التي يواجهها رئيس الوزراء كير ستامر كبيرة ومتشعبة، وفي المائة يوم الأولى له، عليه أن يحقق تغييراً سريعاً للبناء عليه في الفترة المقبلة، وليس هناك وسيلة أفضل في تحقيق ذلك سوى الساحات الخدمية، التعليم الصحة على وجه الخصوص، دون أن يقترب من ميدان الاقتراض والإنفاق. هذه السياسة الاقتصادية أظهرت الفشل الذريع، خصوصاً إذا كان الاقتراض غير ممول، وليس هناك نسبة معقولة من النمو تسنده. البلاد تحتاج إلى مزيد من المعلمين والعاملين في المستشفيات في كل أنحاء بريطانيا، حتى أن الحصول على موعد مع طبيب صار يتطلب أسابيع. إضافة إلى حلول سريعة للفجوات الخاصة بالخدمات الشرطية والأمن، نتيجة النقص المتزايد للعاملين في هذا المجال. ولا شك في أن اقتراب الحكومة الجديدة من الضرائب برفعها، لن تعطي مؤشراً طيباً لمسيرتها في السنوات الخمس المقبلة. ما تحتاجه بريطانيا في الوقت الراهن الاستقرار الاقتصادي، عبر قواعد واضحة لكل من الإنفاق والضرائب، وتهدئة الأجواء لاستعادة مزيد من أموال الاستثمارات التي خرجت في السنوات الماضية.
وهذا لا يعني أن الهموم الأخرى أقل أهمية، لكن الهم المحلي تبقى له الأولوية. بريطانيا اليوم تعاني تراجعا مخيفا في قدراتها العسكرية، بحسب مسؤولين تحدثوا عن الأمر بصراحة، وفي السنوات الماضية فقدت البلاد كثيرا من نفوذها الدولي، كما أن المملكة المتحدة تحتاج بالفعل لعلاقات أكثر قرباً مع الاتحاد الأوروبي، لسد فجوات تتعلق بالخدمات المحلية الناقصة، ولتيسير أكبر في ساحة التبادل التجاري، إلى جانب طبعاً التوافق المريح والنهائي لأزمة أيرلندا الشمالية، وعلاقات هذا الإقليم بكل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التي يتبعها. فلولا الخروج من الاتحاد، لما ظهرت الأزمة الأيرلندية مجدداً.
حكومة كير ستارمر، تتمتع بأغلبية برلمانية تمكنها من تمرير أي قانون أو قرار بسهولة، وهذه فرصة لها لكي تثبت قدرتها على التغيير، والأهم أن يكون هذا التغيير سريعاً في ميادين بعينها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي