حزب العمال البريطاني والطريق لخريطة طاقة جديدة

بعد انتخابات حاسمة في المملكة المتحدة قضت على حكم حزب المحافظين الذي توالى على السلطة لمدة 14 عاما وأتت بحزب العمال الذي عرض برنامجا سياسيا واقتصاديا شاملا يتضمن التغيير في سياسات الطاقة ومستهدفاتها والتزام المملكة المتحدة للأجندة العالمية المتعلقة بالتغيير المناخي والحياد الكربوني والمدد الزمنية للوصول لهذه المستهدفات.
لقد كان حزب المحافظين المهزوم يتبنى سياسات أقرب ما تكون بالمتوازنة مقارنة بنظيره حزب العمال، فكان ينتهج سياسة توازن بين الاستثمار في الطاقات المتجددة والطاقة النووية مع مراعاة عدم التطرف في إيذاء وعرقلة مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري الذي يشمل النفط والغاز والفحم الحجري خشية تأثير مثل هذا الضرر في أمن الطاقة في الجزيرة التي تطل على بحر الشمال أحد أهم حقول العالم التاريخية لإنتاج النفط ومصدر لإنتاج الوظائف يتجاوز 200 ألف وظيفة و22 مليار من الجنيهات الإسترلينية ممثلة في حجم الأعمال التي تأتي من الشركات المشغلة والمنتجة والمصانع وسلاسل الأمداد ومراكز التكنولوجيا والأبحاث كما وتدعم الحكومة البريطانية بما يصل إلى ملياري جنيه إسترليني من الضرائب التي تعود إليها من هذه الصناعة.
بيد أن حزب العمال له وجهة نظر مختلفة لا تتوافق مع خصمه حزب المحافظين فهو يناصب العداء لمصادر الطاقة من الوقود الأحفوري وينتهج سياسة متطرفة ضدها وصلت به إلى إعلان التخلص من هذه المصادر بحلول 2030. وبنظرة متعمقة متفحصة للبرنامج الانتخابي الذي انتهجه حزب العمال البريطاني نجد أن المستهدفات وإن كانت طموحة وجريئة إلا أنها تفتقد لبعض الواقعية إما في حجم هذه المستهدفات وإما في المدد الزمنية للوصول إليها.
فالحزب حدد لنفسه هدفا يضاعف فيه الطاقة الإنتاجية لطاقة الرياح ومزارعها على اليابسه لتصل إلى ضعف ماهي عليه الآن بمعدل 35 جيجاوات بحلول 2030 وذهب أبعد من ذلك ليضاعف 3 مرات مزارع الطاقة الشمسية في المملكة المتحدة ليصل إنتاجها إلى 50 جيجاوات، كما يستهدف مضاعفة منصات الرياح البحرية بمعدل 4 مرات ماهي عليه الآن لتنتج 55 جيجاوات.
الحقيقة أنه في ضوء هذه المستهدفات فإن الدراسات تشير إلى أن الحكومة البريطانية عليها أن تقوم ببناء بنية تحتية من أبراج ومحولات كهربائية تفوق 5 مرات ما تم بناءه في الـ30 عاما الماضية ما يشكل تحديا تقنيا واقتصاديا وزمنيا كبيرا في ضوء تحديد الوصول لهذه المستهدفات في 2030.
وفي مسعى الحزب للوصول إلى مبادرة "إعادة ربط بريطانيا" ومبادرة "طاقة بريطانيا النظيفة" تم تخصيص 8.3 مليار جنيه إسترليني لعمل كل ما يلزم للتخلص من النفط والغاز والفحم وتم توجيه مبادارات الاستثمار إلى قنوات تُعنى بالطاقة المتجددة وبالهيدروجين ودعم التكنولوجيا التي تعمل على كفاءة عالية للطاقة. وفي عاصمة المال والمصارف والأعمال في العالم لندن، يريد الحزب في برنامجه الانتخابي تطبيق خطة FTSE لإجبار كبريات البنوك والمصارف والمراكز المالية وصناديق التقاعد على انتهاج قطاع مصرفي ومالي بريطاني أخضر تلتزم به البنوك والمؤسسات المالية بمبادرات تؤدي إلى خفض درجة حرارة الكوكب بمعدل 1.5 درجة مئوية طبقا لاتفاقية باريس للمناخ.
وإن كانت طموحات حزب العمال البريطاني كبيرة وعملاقة وجرئية في المستهدفات وفي الأطر الزمنية المحددة فإنها تفتقر إلى المسارات الواقعية لتحقيقها بناء على حجم التحديات الآنية والحد الأقصى المتاح للنمو في خلق ومضاعفة المصادر الحالية من الطاقات المتجددة والتخلص من مصادر حالية موثوقة ومرنة وجاهزة وتسهم في أمن بريطانيا للطاقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي