لماذا يشكل القطاع العقاري أهمية كبيرة لرؤية السعودية؟

تناولنا في المقال السابق الطفرة العقارية التي تعيشها دول الخليج العربي مستفيدة من حجم الطلب الكبير على عقاراتها وبالأخص الخارجي، وسننتقل اليوم للتركيز على القطاع العقاري في السعودية الذي يشهد ذروته أخيرا بفضل رؤيتها للتنويع الاقتصادي، حيث تعتمد السعودية على القطاع في قيادة نمو القطاعات غير النفطية الأخرى مثل السياحة، لكن أهم ما يميز الصعود الكبير للقطاع العقاري أنه يأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولات كبيرة في حركة رؤوس الأموال بعيدًا عن ملذاتها التقليدية، تجاه الأسواق الصاعدة بقوة وعلى رأسها السعودية، الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على قطاعها العقاري الذي من المتوقع أن يكون الطلب الخارجي عليه العامل الرئيس للنمو مستقبلا.

وبفضل المشاريع العملاقة التي دشنتها منذ إطلاق الرؤية وفي مقدمتها مشروع نيوم، تحولت السعودية لتكون واحدة من أهم أسواق العقارات في العالم، فوفقًا لبيانات شركة جيه إل إل (JLL) فإن حجم المشاريع التي لم تتم ترسيتها بعد في السعودية في عام 2024 يصل إلى 1.5 تريليون دولار، ما يجعلها تستحوذ على 39% من المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينما وصل حجم العقود التي تم منحها في عام 2023 إلى نحو 97 مليار دولار، وتهدف تلك المشاريع إلى تلبية مختلف أنواع الطلب مثل السكني والفندقي والوحدات التجارية والإدارية وصولًا إلى التجزئة والعقارات ذات الاستخدام الصناعي واللوجستي.

حجم الإنفاق الضخم على القطاع تبرره عدة عوامل على رأسها رغبة السعودية في تلبية الطلب المحلي المتزايد على العقارات، وذلك عبر التوسع في المشاريع في مختلف المناطق، حيث تهدف الرؤية لعام 2030 إلى رفع نسبة تملك الأسر السعودية للعقارات إلى 70% بحلول 2030 مقارنة بـ47% في عام 2016 التي ارتفعت في 2023 وبلغت 63,74%، ذلك عبر عدة محاور أهمهما توفير التمويل وزيادة المعروض في السوق لتلبية رغبات مختلف الفئات، بجانب الطلب المحلي، فالسوق السعودية أيضا تشهد طلبًا خارجيًا متزايدا في مختلف القطاعات. على سبيل المثال تكشف مؤشرات السياحة في السعودية عن أرقام غير مسبوقة في تدفقات السياح، فقد وصل عدد السياح الوافدين من الخارج خلال 2023 إلى 27.4 مليون سائح مقارنة بـ16.6 مليون سائح في 2022، مع توقعات بأن يستمر العدد في الارتفاع مستقبلًا، ولتلبية الطلب المتزايد للسياحة تحتاج السعودية إلى التوسع في المنشآت الفندقية مع عدم اقتصارها على العاصمة الرياض فقط، بل تمتد لتشمل مختلف الوجهات السياحية مثل مكة والمدينة لتلبية احتياجات السياحة الدينية والمدن الساحلية مثل جدة لدعم السياحة الترفيهية.

بجانب السياحة، فهدف السعودية للتحول إلى مركز مالي عالمي جاذب لتدفقات الاستثمار الأجنبي يستلزم وجود قطاع عقاري قوي ومتنوع، على سبيل المثال يشهد الطلب على المكاتب الإدارية وبالأخص في مدينة الرياض ارتفاعًا ملحوظا بسبب اتجاه الشركات العالمية لاتخاذ مدينة الرياض كمقر إقليمي لإدارة أعمالها في المنطقة، وعلى الرغم من الطلب المرتفع الحالي إلا أن مختلف المؤشرات تدفع باتجاه أن الطلب سيقفز في الأعوام المقبلة مدعوما بالإصلاحات الكبيرة التي تنفذها السعودية، وتدفقات الاستثمار أيضا يتبعها تدفق الأثرياء لاتخاذ السعودية كمقر لإدارة أعمالهم، فوفقًا لمؤسسة هنلي آند بارتنرز (Henley & Partners) فإنه من المتوقع أن تجذب السعودية في عام 2024 أكثر من 300 مليونير لتأتي بذلك في مقدمة الدول الواعدة الجاذبة للأثرياء، الأمر الذي من المتوقع أن يعزز من الطلب على العقارات في السعودية.

بجانب السياحة وقطاع الأعمال، هناك عامل مهم يدعم ازدهار القطاع العقاري وهو تحول السعودية إلى وجهة عالمية لاستضافة أهم الفعاليات والأحداث وعلى رأسها معرض أكسبو 2030 بجانب بطولة كأس العالم لعام 2034 وغيرها من الأحداث المهمة المنتظرة استضافتها، ونظرًا لأهمية تلك الفعاليات لأنها تجذب ملايين من الزوار والمشاركين فلا بد أن يواكب القطاع العقاري هذه الأحداث حتى يستطيع استيعاب كافة الحضور، الأمر الذي ينعكس في النهاية بالإيجاب على الاقتصاد الوطني.

ختامًا، فإن القطاع العقاري في السعودية يسير نحو طفرة تاريخية بفضل الاستثمار الكبير الموجه من القطاعين العام والخاص، ويبدو القطاع في وضع قوي مدعومًا باقتصاد متنوع وطلب محلي وخارجي جيد للغاية، يجعله يستمر في تحقيق أهدافه الأساسية وأهداف التنمية لرؤية السعودية 2030.


 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي