ملاذات الذهب الجديدة والمستهدفات الفنية
يعد الذهب أحد الملاذات الآمنة التي تتجه إليها الأنظار عند خشية الأزمات الاقتصادية أو السياسية، وفي الوقت ذاته يعد الدولار أكبر المؤثرين في حركة أسعار الذهب، فالعلاقة بينهما عكسية، حيث يسعر الذهب بالدولار كحال النفط وغيره من السلع العالمية، وبالتالي فارتفاع الدولار يرفع من تكاليف حيازة الذهب فيقل الإقبال عليه، والعكس تماما عندما ينخفض الدولار فذلك يشكل حافزا لحيازة الذهب حيث يتم شراؤه بتكلفة أقل، وعادة ما يرتفع الذهب مع ارتفاع أسواق السلع والأسهم في حال انخفاض الدولار.
وقد شهدت أسعار الذهب ارتفاعات كبيرة منذ بداية الألفية الجديدة حيث كانت أسعار الذهب حينها عند 280 دولارا للأوقية بينما وصلت الأسعار إلى 2450 دولارا خلال العام الجاري 2024، بل في أقل من عامين من الآن شهدت الأسعار قفزات تاريخية لم يحظ بها الذهب من قبل وذلك خلال مدة تعد قصيرة بالنسبة لحركة الذهب المعتادة، حيث ارتفع سعر الأونصة بأقل من عامين بأكثر من 800 دولار ونسبة تجاوزت 50 %، فقد كان سعر الأونصة للذهب يتداول عند 1600 دولار خلال شهر نوفمبر من عام 2022 حتى وصلت الأسعار لمستوى 2450 دولارا خلال شهر مايو الماضي، لا شك أن هذا الارتفاع الكبير كان مدعوما ببعض المؤثرات أهمها الحرب الروسية - الأوكرانية التي دفعت الغرب لتجميد الأصول الروسية المقومة بالدولار، ما جعل كثيرا من البنوك المركزية تتجه نحو حيازة الذهب بعيدا عن العملات الورقية كالدولار، فقد ارتفعت حيازة البنوك المركزية والعالمية من الذهب لمستويات تاريخية لم تشهدها من قبل، فوفقا "لمجلس الذهب العالمي" أضافت المصارف المركزية أكثر من 1000 طن من الذهب إلى احتياطاتها في عامي 2022 و2023.
فالتوترات السياسية قدمت كثيرا من الدعم لأسعار الذهب رغم ارتفاع الدولار المدعوم من مسار السياسة النقدية التشديدية التي اتخذها الفيدرالي الأمريكي من خلال رفعه أسعار الفائدة لمستويات لم تشهدها منذ عقدين من الزمن.
لذلك رغم العلاقة العكسية بين الذهب والدولار إلا أن بعض الأزمات خاصة المتعلقة بجانب التوترات السياسية نلحظ أنهما يتشاركان الاتجاه الصاعد نفسه، حيث يمثل كل منهما ملاذا آمنا.
هذا فيما يتعلق بمحفز ارتفاع أسعار الذهب خلال الفترة الماضية الذي لا يزال مستمرا، ويتبقى هناك محفز آخر لضمان دعم الأسعار بالاتجاه نفسه، وهو توقع الأسواق لخفض الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة خلال الربع الأخير من العام الجاري التي تؤثر سلبا في حركة الدولار وبالتالي تقدم الدعم لحيازة الذهب بتكاليف أقل.
لذلك توقعت كثير من بيوت الخبرة والجهات الاستثمارية والاستشارية استمرار صعود الذهب لمستويات تاريخية، فعلى سبيل المثال لا الحصر فمحللو "سيتي قروب" يرون إمكانية ارتفاع الأسعار لمستوى 3 آلاف دولار خلال عام ونصف العام، بينما رفع "جولدمان ساكس" مستهدفاته لسعر الذهب من 2300 إلى 2700 دولار بحلول نهاية العام الجاري.
أما فيما يتعلق بالناحية الفنية فيظهر الرسم البياني للذهب على الفاصل اليومي نموذج (المثلث الصاعد) الذي يستهدف تجاوز قمته الأخيرة عند 2450 ومن ثم تحقيق هدف النموذج عند منطقة 2500 دولار، ما يعني أن المعدن الأصفر على أعتاب تحقيق قمة تاريخية جديدة من الناحية الفنية، مع اعتبار منطقة 2320 دعما للفترة الحالية، والله أعلم بالصواب.