الحوافز كل شيء

في كل مجتمع، العلاقة بين الناس اقتصاديا تحكمها منظومة الحوافز. للحوافز جانب مادي وجانب معنوي نفسي أحيانا أهم من الجانب المادي. الإنسان يأتي للحياة الاقتصادية بعد 3 مراحل تعبوية من الحياة تشكله قبل دخول معترك الحياة الاقتصادية. الأولى أن التربية التي يتلقاها في البيت والمجتمع تكوّن العنصر الثقافي الاجتماعي الذي يشكل رؤيته للأمور و الأولويات- بمنزلة البرمجة التي تحكمه وتقوده، الثانية ما لديه من قدرات ذهنية وسيطرة على نزعاته وعواطفه الطبيعية التي عادة مصدرها القليل المعروف عن المخ.

الثالثة والأخيرة القدرات المكتسبة منطقيا من التعليم و التجربة. بتعقيد من هذه الدرجة سنظيف تعقيدا آخر يتمثل في التعامل مع الحوافز لتلقي بظلالها المؤثرة في هذه الخلفية المركبة والمعقدة.

تعقيد مهم لأن الحوافز ربما أفضل إشارات اقتصادية تحكم أنماط العلاقات الاقتصادية في الشركات والقطاع العام حتى القطاع غير الربحي.

يقول دوقلاس نورث الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد وأحد منظري الاقتصاد المؤسسي: إن الحوافز كل شيء- المقصود أن منظومة الحوافز تعطيك فكرة جيدة عن حالة المجتمع اقتصاديا وتتضمن فرصا لتعديل الكثير من خلال إعادة تشكيل الحوافز لتتماشى مع الأهداف المعلنة للسياسات الاقتصادية، لأن الخلل في العلاقة ينتهي بعدم تحقيق الأهداف، بل يرفع من درجة التظاهر بالشكل على حساب المضمون.

الإشكالية في الحوافز أن هناك جانبا ماديا سهل القياس نسبيا وهناك جانب معنوي ونفسي ليس سهل القياس، لأن مكانه في التصرفات. عملية القياس تصطدم بعقبات عدة منها الكبيرة مثل مدى حصافة الخيارات الاقتصادية لأن الإستراتيجيات والأهداف تنبع من الخيارات، ومنها تعظيم الشأن المالي في الإدارة الاقتصادية على حساب المحركات الاقتصادية، و منها منطقية التراتبية في الأجور في القطاعات العامة وأشباه العامة. والصغيرة مثل وجود القدوة والتعامل معها، ومنها الرسائل في جودة ودقة الاختبارات الوطنية الأكاديمية والمهنية، ومنها الدقة في توظيف الوافد بأغراض الإضافة الاقتصادية المحددة مسبقا. لكل من هذه العقبات الصغيرة والكبيرة تفاصيل فكرية و إجرائية لن ندخل فيها هنا.

ما سبق إطار نظري يصلح لكل الدول والمجتمعات، خاصة تلك التي جعلت من التنمية الاقتصادية هدفا لها. الاستكانة على تعظيم المصلحة من القطاع العام غالبا محاولة تكيّف أكثر منها إسهاما فاعلا، التحدي خاصة في الدول التي تعيش على ريع الموارد الطبيعية. إن استفادة الأجيال لا بد أن تكون متوازنة من ناحية والخلط بين استهلاك الوظيفة العامة والدور الحقيقي في الإنجاز.

أحد أبعاد التحدي في توظيف الحوافز بكفاءة. إن الحوافز الجيدة ضرورية للنمو والإبداع لأن الجميع يكون في حالة تهيء للمنافسة وللبديل، بينما ضرورة التكيّف تدعو إلى الاستقرار و الاستمرار على المعهود الذي أصبح مقبولا، وبالتالي فهناك مماحكة طبيعية مطلوبة. لذلك هناك حاجة دائما لمراجعة هيكل الحوافز في المجتمع.

انسياب الحوافز و تراتبيتها في المجتمع تقود إلى نمو الإنتاجية والاستقرار المعنوي والرضى المجتمعي وتقدير الجدارة وتراكم المعرفة التي تخدم النمو الاقتصادي.

الحوافز الجيدة رابط أساس في التماسك المجتمعي بما تحمل من رسائل موثوقة و أعلى مصداقية من كل الخطابات والوعود بين الإدارة لكل شركة ومؤسسة ومنشأة ومنسوبيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي