اليوان الصيني أم الدولار الأمريكي؟
تعمل الصين وسعها للحد من سطوة الدولار في تجارتها مع العالم. إن كان لهذا المسعى أن يؤتي أكله فهذا أمر قد لن نفلح في معرفة كنهه الآن، وربما حتى في المستقبل القريب.
كل ما نعرفه اليوم هو أن الصين، ومعها دول مؤثرة أخرى، ستكون سعيدة لو استطاعت تهميش الدور الفعال وغير المسبوق لعملة سكها والسيطرة على ساحة العرض والطلب فيها هو بيد دولة منافسة وفي أوجه محددة معادية.
لماذا تخشى دولة مثل الصين، صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم، عملة مثل الدولار؟ هناك عدة أسباب، لكن أهمها أن الورقة الخضراء لا تزال أنجع وسيلة وأكثرها تداولا في التجارة العالمية، ومن ثم الإحكام المطبق للولايات المتحدة من ناحية السيطرة على استخدامه.
وهناك عامل مهم آخر لا يقل في تأثيره عن العاملين السابقين ويتعلق بطريقة الحصول على الدولار. العالم كله يلهث لتملك الدولار لأغراض شتى، منها كعملة احتياطية أو للتجارة.
أي دولة في العالم – وحتى الأفراد العاديين - يحصلون على الدولار بعد بذل جهد كبير، وعند الحصول على كميات كبيرة منه يعاد تدويرها في الاقتصاد الأمريكي، إن من خلال شراء سندات الخزينة الأمريكية أو شراء أسهم أو عقارات أمريكية وما شابه.
هذا معناه هناك طلب كبير على الدولار تقريبا في كل أنحاء العالم، ومن هنا ارتفاع قيمته وقوته الشرائية. ولأن الدولار عملة لا بد منها في التجارة الدولية، فحرمان أي بلد منه أو حتى فرد محدد يؤدي بالبلد إلى الانهيار والشخص أو المؤسسة إلى الإفلاس.
هذه وظائف ومزايا لم تحصل عليها أي عملة أخرى في العالم في السابق وقد لا تحصل عليها مستقبلا. حتى الذهب، المعدن الثمين الذي يرغب فيه الناس والتجار لم يرتق الدور الذي يلعبه الدولار اليوم في حياتنا.
هذه الخصائص منحت الولايات المتحدة سطوة غير مسبوقة على التجارة في العالم، حيث صار الدولار سلاحا وأداة رئيسة لفرض الحصار على كل من تراه واشنطن أنه يخرج عن أولوياتها ومسلكها السياسي.
كل هذا والولايات المتحدة لا تشقى ولا تبذل جهدا قيد أنملة للحصول على الدولار الذي تطبعه بكميات مهولة، دون النظر إن كان هناك احتياطي يوازيه لتلبية الطلب المتزايد عليه إن داخليا لأغراض الموازنة أو تلبية حاجات آنية أو لتلبية الطلبات للحصول عليه عالميا.
لا أظن أي دولة في العالم بودها أن يكون اقتصادها رهينة عملة دولة أخرى. وبالطبع تتطلع الصين إلى اليوم الذي يخرج فيه اقتصادها وتجارتها من القيود التي تفرضها العملة المهيمنة عالميا وهي الدولار.
من المزايا الحميدة للصين في النهج الذي تتبعه في سياستها ذات الوجهة الاقتصادية – وأظن في أي مضمار آخر – هي العمل بهدوء وطمأنينة. مقاومة سطوة الدولار الذي تقف خلفه دولة صاحبة أقوى وأكبر اقتصاد في العالم ليست بالأمر الهين أبدا.
أول ما شرعت الصين للحد من هيمنة الدولار على معاملاتها وتجارتها كان في 2010 عندما تيقنت أن فرض أي قيود للوصول إلى العملة الزرقاء ضمن إجراءات الحصار الاقتصادي الذي تتبناه أمريكا لمعاقبة مناوئيها ستكون له تبعات كارثية على اقتصادها.
في هذا العام بالذات كانت نسبة استخدام العملة الصينية الريمبي – عملة الشعب – المعروفة باليوان في التبادل التجاري لا تتجاوز 0.3 %، وهي نسبة ضئيلة جدا.
في هذا العام، أي بعد مرور 14 عاما زادت نسبة استخدام اليوان إلى 52.9 %، وهي طفرة كبيرة جدا أثارت قلقا جديا لدى المعسكر الآخر، أن لا تراجع لبكين في دربها الشاق للتخلي في نهاية المطاف عن استخدام الدولار.
الطريق طويل، وإن أخذنا في الحسبان المدة التي استغرقتها الصين لاستبدال نصف قيمة تبادلها التجاري من الدولار بالعملة الوطنية، فإن الصين قد تنتظر عقدا ونصف العقد للوصول إلى الهدف.
هل ستحرق الصين المراحل؟ هذا ما سنعرفه في المقبل من السنين.