يد النيوليبرالية الميتة تعوق النمو الأخضر

ربما تبشر الانتصارات الانتخابية الأخيرة التي أحرزتها أحزاب يسارية في فرنسا والمملكة المتحدة بعصر جديد من صنع السياسات المناخية في أوروبا. فحكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا لديها خطط طموحة لتوسيع قدرة الطاقة المتجددة، ورغم أن بناء الائتلاف لا يزال صعبا، فقد أُحـبِـط اليمين المتطرف المتشكك في العمل المناخي في فرنسا.

إن أدوات الاستثمار الجديدة لن تكون كافية. وكما أظهرت تجربتنا مع كوفيد-19، فإن الأساليب البحتة القائمة على السوق لم تكن كافية للتصدي للجائحة، ولا يمكنها المساعدة على مقاومة الدمار البيئي أو فجوة الثروة شديدة الاتساع في العالم. وحتى العالم الغني بدأ يبتعد عن العقيدة النيوليبرالية المتمثلة في الخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية. لكن ما دامت البلدان النامية مقيدة بالقواعد القديمة، فستجد صعوبة شديدة في تطوير نماذج اقتصادية خاصة بها وتشكيل مصائرها بنفسها.

في حين كان دُعاة التجارة الحرة الغربيون في السابق ينتقدون استخدام الصين تدابير الحماية وإعانات الدعم لمحاباة قطاعات إستراتيجية، أصبحت هذه الممارسات الآن من لوازم اللياقة في الاقتصادات المتقدمة. تضخ الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات إلى صناعات المركبات الكهربائية والبطاريات المحلية من خلال قانون خفض التضخم، مستخدمة الدولة لتحفيز الاستثمار وإيجاد فرص العمل في القطاعات الخضراء. لكن التصدي لتغير المناخ نضال عالمي، ولا تسمح قواعد التجارة الدولية للدول النامية في عموم الأمر بتعزيز صناعاتها الخاصة على هذا النحو. على سبيل المثال، عوقبت إندونيسيا ــ الدولة الرائدة عالميا في إنتاج النيكل، وهو معدن أساسي في تصنيع بطاريات المركبات الكهربائية ــ في منظمة التجارة العالمية لملاحقتها إستراتيجية صناعية.

وعلى هذا ففي حين فَـقَـدَت وصفات السياسة النيوليبرالية شعبيتها في الاقتصادات المتقدمة، فإنها الآن تُـعَـبـأ من جديد في صناديق خضراء وتُـشـحَـن للدول الأقل ثراء. يستطيع صناع السياسات في البلدان مرتفعة الدخل الاعتماد على أدوات السياسة الصناعية المكلفة مثل الحوافز الضريبية وضمانات القروض، في حين لا تتمتع البلدان النامية بمثل هذا الـتَـرَف. يتعين على الدول النامية أن تتوصل إلى كيفية إيجاد فرص العمل، والحد من التفاوت، وإزالة الكربون من اقتصاداتها، وكل هذا بالاستعانة بمجموعة محدودة للغاية من الأدوات والقدرات التكنولوجية.

إذا كانت البلدان النامية قادرة على تشكيل سياساتها الخاصة، فإن الاستثمارات المناخية من شأنها أن تدفع جهود إيجاد فرص العمل ودعم النمو الشامل. تحتاج الحكومات التي يُطلب منها أن تجعل اقتصاداتها خضراء إلى تمويل مرن بمعدلات فائدة تفضيلية. كما أنها ستستفيد من خطط الضرائب الوطنية والدولية التقدمية التي تبني على نجاحات أخيرة مثل اتفاقية الأمم المتحدة الضريبية، وهو جهد تقوده البلدان النامية لإضفاء الطابع الديمقراطي على قواعد الضرائب وانتزاع السيطرة من المتاجر المغلقة مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

الواقع أن انحسار الـفِـكر النيوليبرالي يمنح الاقتصادات النامية والناشئة فرصة للتعاون في تصميم نموذج جديد. ومن خلال ابتكار نماذج تقودها الدولة تربط بين الإستراتيجيات الخضراء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، يصبح بوسع هذه الاقتصادات حماية أجندة المناخ من هجمات الانتهازيين المستبدين. وكما توجد أنماط مختلفة من الرأسمالية، هناك مسارات مختلفة للتنمية الخضراء.

نحن قادرون على بناء عالم جديد من العدالة المناخية والمساواة الاجتماعية على أنقاض النيوليبرالية. ولكي ننجح في هذا، نحن في احتياج إلى بُـنـى اقتصادية جديدة مستنيرة، تصممها وتصونها البلدان منخفضة الدخل ومتوسطته. إن النظام العالمي الأكثر عدالة يتطلب دولا أكثر قوة واستباقية قادرة على تصميم وتنفيذ سياسات تدفع النمو الاقتصادي، وتصنع فرص العمل، وتعمل على تضييق فجوات التفاوت.

خاص بـ"الاقتصادية" حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي