المتخلفون عن الركب والسياسات المالية

يكمن التحدي فيما يواجه كثير من الاقتصادات من ضغوط حادة على المالية العامة. وفي البلدان النامية، نجد أن تكاليف خدمة الديون تستحوذ على حصة أكبر من الإيراد الضريبي، بينما تعكف هذه البلدان على معالجة قائمة متزايدة من الطلبات على الإنفاق، بدءا من الاستثمارات في البنية التحتية وحتى تكلفة التكيف مع تغير المناخ. ومن خلال بذل جهود مالية تدريجية تركز على الناس، يمكن تخفيف المخاطر على المالية العامة مع الحد من أي تأثير سلبي على النمو وعدم المساواة، بما في ذلك من خلال تعبئة الإيرادات وتحسين الحوكمة وحماية البرامج الاجتماعية.

ويشير بحثنا إلى وجود مجال واسع أمام البلدان النامية للعمل على تعبئة مزيد من الإيرادات من خلال الإصلاحات الضريبية، بما يصل إلى 9% من إجمالي الناتج المحلي. ومع هذا، فمن الضروري أن يُتخذ منهج تصاعدي، وهو ما يعني التحقق من أن أولئك القادرين على دفع مزيد من الضرائب يساهمون بنصيبهم العادل. فعلى سبيل المثال، فرض ضرائب على الدخل الرأسمالي والعقارات يمثل طريقة تصاعدية نسبيا لتعبئة مزيد من الإيرادات الضريبية.
وبصرف النظر عن الإستراتيجية، يتعين أن تكون لدى الناس ثقة بأن الضرائب التي يدفعونها ستُستخدم في تقديم خدمات عامة، وليس في إثراء أصحاب السلطة. ويجب أن يكون تحسين الحوكمة، مثل زيادة الشفافية والحد من الفساد، هو أيضا جزءا من المعادلة.

وفي الوقت نفسه، من شأن برامج الإنفاق الاجتماعي أن تُحدِثَ فرقا كبيرا في عدم المساواة بوسائل منها تقديم الوجبات المدرسية وإعانات البطالة ومعاشات التقاعد. وينبغي توفير الحماية لها جميعا. ويمكن دعم الفئات الضعيفة من خلال برامج التحويلات الموجهة للمستحقين مثل برنامج المساعدات المالية للأسر (Bolsa Familia) في البرازيل.

ويتضح من بحثنا أن سياسات إعادة التوزيع القوية في أحد الاقتصادات النامية أعضاء مجموعة العشرين – مثل برامج الإنفاق الاجتماعي والاستثمارات العامة في التعليم – يمكن أن تقلل عدم المساواة بما يراوح بين 1,5 مرة و5 مرات أكثر مما تفعل السياسات الأضعف.

أخيرا، نحن في حاجة إلى شبكة أمان مالي عالمية قوية من أجل البلدان التي تحتاج إلى دعم. ويعمل صندوق النقد الدولي حاليا على وضع حزمة إصلاحات لإطارنا الإقراضي، آخذا هذا الهدف في الحسبان.

ونعكف حاليا على مراجعة أداتنا للإقراض المُيَسَّر للبلدان منخفضة الدخل، وهو الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر، من أجل الاستمرار في تلبية احتياجات أكثر البلدان الأعضاء تعرضا للمخاطر. وبينما نتوقع تجاوز الطلب للمستويات التي كان عليها قبل الجائحة، من الضروري أن تتكاتف البلدان الأعضاء لكي تضمن توافر الموارد الكافية في الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر ووضع موارده طويلة المدى على مسار مستدام.

ونلقي كذلك نظرة من كثب على سياستنا بشأن الرسوم الإضافية وذلك للمرة الأولى منذ نحو عقد. وتهدف هذه المراجعة إلى ضمان قدرتنا على مواصلة تقديم التمويل بأسعار فائدة معقولة للبلدان التي تحتاج إلى دعمنا.
وفي العام الماضي، منحتنا البلدان الأعضاء تصويتا قويا بالثقة من خلال الموافقة على زيادة موارد حصصنا الدائمة، وهو ما يمكننا من المحافظة على قدرتنا على الإقراض. وأنا أُعَوِّلُ على أعضاء مجموعة العشرين للمصادقة على هذه الزيادة الآن.

فأحد الدروس المُستفادة من التاريخ أخيرا هو أنه يجب علينا ألا نتجاهل أولئك المتخلفين عن ركب التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، سواء كانوا أفرادا داخل بلد واحد، أو بلدان بأكملها تكافح لسد هذه الفجوة. وفي ظل السياسات السليمة، وبالعمل معا، يمكننا أن نبني عالما يتمتع بالرخاء ويحقق المساواة للجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي