اقتصاد بريطانيا .. هموم التصحيح
"أخفت حكومة المحافظين عن البرلمان والبلاد الحالة الحقيقية لمالية بريطانيا العامة"
ريتشل ريفز، وزيرة المالية البريطانية
ستواصل حكومة العمال الجديدة في بريطانيا ما استطاعت كشف الثغرات التي كانت في هيكلية اقتصاد المملكة المتحدة. وهذا عادة ما يحدث عندما ينتقل الحكم من حزب لآخر، خصوصاً بعد سنوات من الاضطرابات الاقتصادية الحقيقية طغت على المشهد العام في البلاد، بما في ذلك تغيير 5 رؤساء للحكومة في ظرف 7 سنوات. هذا الوضع أتى في الواقع من فرط الصراعات التي شهدها حزب المحافظين، التي بلغت حالة "الحرب الأهلية" فيه.
تكبد هذا الحزب أكبر خسارة في تاريخه، وهذا الأمر لم يعد مهماً الآن، وسط حراك لأول وزيرة للخزانة البريطانية في تاريخها ريتشل ريفز، يستهدف بصورة أساسية ما تعده إصلاحاً لسادس أكبر اقتصاد في العالم، مستندة إلى رؤية ليس يسارية خالصة، ما جلب الارتياح للسوق عموما.
من السهل تحميل الحكومات السابقة المسؤولية عن الأضرار (أي أضرار)، لكن ليس سهلاً على الإطلاق تنفيذ برنامج اقتصادي يوائم تعهدات حزب العمال قبل الانتخابات العامة الأخيرة، في مقدمتها عدم لجوئه إلى رفع الضرائب. غير أنها لو التزمت حقاً في ذلك، ليس أمامها سوى خفض الإنفاق في مجتمع يعاني منذ سنوات عديدة اتساع رقعة الفقر فيه، حتى أن مؤسسات مثل "بنوك الطعام" الخيرية، صارت جزءاً أصيلاً من المشهد الاجتماعي العام. في هذه الأثناء، لا تزال سياسة الفائدة المرتفعة حاضرة بقوة على الساحة، رغم أن بنك إنجلترا المركزي خفضها أخيراً بنسبة ربع نقطة لتصل إلى 5 %. غير أن ذلك لن يحقق النمو المأمول، الذي لا يتجاوز (وفق توقعات البنك نفسه) أكثر من 1.25 % بنهاية العام الجاري.
وحتى الخفض الأخير جاء بعد تصويت أعضاء "المركزي" بأغلبية صوت واحد فقط، ما يعني أن هناك شبه انقسام حول هذا الأمر المحوري المهم، الذي يحدد في النهاية مستقبل النمو. ومع وجود تكاليف لاقتراض عند 5 %، فلا تزال الضغوط كبيرة للغاية على أصحاب الرهون العقارية، الذين يعانون منذ بدء العقد الحالي، إلى درجة أن نسبة كبيرة منهم اضطرت لتسليم عقاراتها، كحل مُر لعجزها عن السداد. النقطة الصعبة هنا، هي أن الضغوط التضخمية لا تزال تشكل تهديداً كبيراً للحالية الاقتصادية، رغم أن بريطانيا تمكنت في غضون عامين من خفض التضخم من 11.1 إلى 2.75 %. فالسيطرة على أسعار المستهلكين تبقى واحدة من الهموم التي تواجهها الحكومة في الوقت الراهن.
حالة عدم اليقين مستمرة، وهي بالمناسبة ليست حكراً على المملكة المتحدة، بل تسود معظم الاقتصادات المتقدمة، ولأن الأمر كذلك، ليس أمام وزيرة المالية ريفز حالياً، سوى اللجوء إلى رفع الضرائب، قافزة فوق تعهداتها السابقة بعدم المساس بها. أمامها 3 أشهر فقط لإعلان أول ميزانية عامة لها، وهي فترة قصيرة لحكومة جديدة تقول إنها تبحث في الثغرات التي أحدثتها الحكومة السابقة لها. وليس هناك من حل سوى رفع بعض الضرائب، كتلك التي تفرض على الشركات، وعلى الميراث، أو تغييرات المعاشات التقاعدية، ومكاسب رأس المال. الواضح أنها لن تزيد التأمين الوطني أو ضريبة القيمة المضافة، أو ضريبة الدخل.
وستستغل الحكومة الحالية سيطرتها شبه المطلقة على مجلس العموم للقيام بمثل هذه الخطوة، خصوصاً أنها ترفض تماماً الاقتراض غير الممول. فـ"المأساة" الاقتصادية التي تسببت فيها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، عن طريق الاقتراض دون تمويل بحجة تحفيز النمو، لا تزال ماثلة بقوة على الساحة، وستبقى تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية لعدة سنوات مقبلة.