هل هناك ذروة للطلب العالمي على النفط؟
يبدو أن الكتابات عن اقتصادات النفط من حيث العرض والطلب أضحت سردا ليس بمقدور الإعلام الغربي الافتكاك عنه، رغم ما يتعرض له عالمنا حاليا من أزمات إن فلتت من عقالها – وهي إلى ذلك قاب قوسين أو أدنى – لقلبت الدنيا رأسا على عقب.
فبالكاد كنا نهضم سرد أن معدلات إنتاج النفط في العالم – وتشمل المعروض منه عالميا – تقترب من الذروة في غضون 6 سنوات، وإذا بنا أمام سرد آخر حول هل بلغنا أو متى نبلغ ذروة الطلب؟
وشرحنا مفردة "الذروة" معجميا واقتصاديا في مقال الأسبوع الفائت، وبقدر تعلق الأمر بالمصطلح وربطه بالطلب، فإن معناه يشير إلى أن العالم قد يصل إلى أقصى أو أعلى معدل للطلب العالمي على النفط، ومن ثم تتقلص الحاجة إليه تدريجيا حتى يختفي.
وذروة الطلب شأنها شأن ذروة الإنتاج ليست من بنات أفكار المحللين والخبراء المعاصرين. ذروة الطلب: مفهوم اقتصادي جرى التحقق والتثبت منه عند دراسة العرض والطلب على السلع المختلفة.
لكن علينا التذكير بأن ذروة الطلب على أي سلعة معناه أن هناك سلعة أخرى بدأت تزيحها، ليس هناك سلعة تختفي من الوجود إن لم تكن هناك سلعة أخرى تحل محلها.
وفي حالة النفط، القول في ذلك يستند إلى الطاقة البديلة – واسم المصطلح هنا يدل على المسمى، بمعنى أن العالم يعمل دون كلل أو ملل لإحلال سلعة أخرى محل النفط.
ولدينا سيناريوهات ونظريات يروج لها المتنبئون حول الذروة، إن كان للإنتاج او للطلب، وقد عرضنا هشاشة نظرية ذورة معدل إنتاج النفط في مقال سابق.
الحديث عن ذروة الطلب يعاكس في بعض مناحيه الحديث عن ذروة الإنتاج. السردية حول ذروة الطلب الجارية حاليا فيها كثير من الصدقية، لأن المتنبئين هذه المرة لم يشاءوا أن يُلدغوا من جحر مرتين، لذا تبنوا الواقع وابتعدوا عن التسييس والمنفعية قدر ما استطاعوا.
كانت لهم الجرأة هذا المرة لمعاكسة التنبؤات السابقة التي كانت حتى وكالة الطاقة الدولية قد دعمتها في تقاريرها حول إن ذورة الطلب على النفط ستحل في عام 2030، أي إن إستهلاك النفط سيصل أقصى مدى له في هذه السنة ومن ثم يبدأ في الضمور.
وكانوا قد حددوا انخفاضا كبيرا على الطلب قد يبلغ أكثر من 25 % وتحذيرات من أن أي استثمار جديد في الطاقة الأحفورية قد لن يكون مجديا بعد الآن.
قد يتصور القراء الكرام أن الحديث حول توقعات الطلب والإنتاج هو مجرد تخمينات لا تسمن ولا تغني من جوع شأنها شأن التنجيم، الذي إن صدق فهو كاذب.
الأمر ليس هكذا عندما يتعلق الأمر بمصير سلعة إستراتيجية مثل النفط حيث كل شارة وواردة لها حسابها وتؤثر في المحصلة على الأسعار في الأسواق العالمية ومعدلات الإنتاج وغيره.
في سوق النفط يحسب ألف حساب لتثاؤب وزير من وزراء الدول المنتجة، هكذا يجري المثل لأهمية السلعة هذه التي هي الذهب الأسود، فما بالك إن كان الشأن يخص مستقبل السلعة ذاتها.
وما يجري من تفنيد للتنبؤات السابقة التي اشتركت فيها منظمة الطاقة الدولية حول إن الطلب على النفط سيصل ذروته في 2030 ستكون له مدلولات إيجابية على الأسعار ومعدلات الإنتاج ومساعي الاستثمار في الكشف والبحث والتكرير.
أرى أن على الدول النفطية أن تعزز استثماراتها في جعل النفط طاقة مستدامة صديقة للبيئة بدلا من الاسثمار في الطاقات التي في المحصلة غايتها إزاحة النفط كسلعة طاقة لا بديل عنها.
الحديث اليوم يدور عن أن الطاقة الهيدروكربونية، والنفط عمادها، وراء معدلات التلوث العالية في العالم ومعها الاحتباس الحراري وعواقبه على البيئة والكوكب الذي نعيش عليه، وإنقاذ الكوكب من دمار محتمل لن يتم إن لم يتخلص العالم من استهلاك النفط.
العالم يدرك اليوم أن الذروة التي يتحدث عنها إن كانت حول معدلات الإنتاج أو الطلب غير واقعية، وأن الطاقة الهيدروكربونية ستبقى معنا إلى أمد بعيد. أسأل، ما الضير لو طرق الباحثون باب إمكانية إضافة النفط إلى الطاقات البديلة الصديقة والوفية للبيئة؟ سؤال قد يراه البعض بعيدا عن المنطق، لكن ألم يجعل التطور العلمي والتكنولوجي الخارق الذي نعيشه الآن كثيرا من اللامنطق منطقا؟