الحذر من التصريحات المتفائلة
رفعت هذا الأسبوع مجموعة من المستثمرين في شركة "إنتل" لمعالجات الكمبيوتر دعوى قضائية ضد الشركة، بعد أن خسر سهمها 32 مليار دولار من قيمته السوقية في يوم واحد، وذلك ليس بالأمر الهين كون الشركة معروفة وعريقة ولديها جيوش من المحللين وصناع السوق وغيرهم من المتابعين والمطلعين، فكيف يصدر خبر مفاجئ ومزلزل لم يتوقعه أحد؟ هنا يأتي دور الشركة في التأكد من أن المستثمرين دوماً على اطلاع تام بما يمكن أن يكون له تأثير في مستقبل الشركة، وما قد يخالف التوقعات والتحليلات السائدة، وهذا درس مهم كذلك للشركات المحلية المدرجة في أسواق المنطقة لدينا، حيث يجب أن يكون هناك قدر كاف من الجرأة والشجاعة للإفصاح عن المعلومات حتى إن بدت سلبية في وقتها.
لذا نجد أن الشركات الأمريكية تفصح أثناء إعلان نتائجها الدورية عن توقعاتها لأداء الشركة في المرحلة المقبلة، وفي حالات كثيرة يرتفع سعر السهم بشكل كبير أثناء إعلان النتائج، وبعد ذلك بدقائق تتغير وجهته بعد سماع بيان توقعات إدارة الشركة عن الأداء المستقبلي. السبب في حرص الشركات على تزويد المستثمرين بمعلومات صحيحة ومحايدة هو بالضبط لتجنب ما حدث في حالة شركة "إنتل"، حيث كانت الأخبار الصادرة عن الشركة في الفترات القريبة الماضية وردية ومطمئنة، ولم يبد هناك ما قد يؤدي إلى تسريح 15 ألف موظف وإيقاف التوزيعات الدورية والإشارة إلى تعثر مسبك شرائح عملاق كانت الشركة تتفاخر بأنه سيستخدم من قبل شركات منافسة لها، كونه مسبكا أمريكيا سيغني عن المسابك الخارجية.
ليست هذه المرة الأولى بالطبع التي قامت بها شركات بتضليل المستثمرين، منها شركة "إنرون" في 2001 حيث تم رفع دعوى قضائية ضد الشركة بتهمة تضليل المستثمرين باستخدام ثغرات محاسبية لإخفاء ديون وخسائر ضخمة، ومثلها "وورلد كوم" التي تورطت بعمليات احتيال محاسبية بقيمة 11 مليار دولار، حيث تم اتهام التنفيذيين باستخدام ممارسات محاسبية احتيالية لزيادة الأرباح وإخفاء النفقات، في عملية شبيهة بما قامت به شركة اتحاد اتصالات في السوق السعودية من تضليل وتسجيل إيرادات غير متحققة. والقائمة طويلة ومعروفة وأحياناً تتم بطريقة تبدو بريئة، حيث تتجنب الشركة الإفصاح عن أمور جوهرية، على أمل أن تتحسن الأوضاع وتختفي المشكلة، كما حصل مع بنك "ليمان براذرز" الذي كان سقوطه حدثًا جوهرياً في وقوع الأزمة المالية لعام 2008، حيث تم إخفاء تعرض البنك لمخاطر الرهن العقاري من قبل مقترضين ذوي سجلات ائتمانية رديئة.
هذه التجاوزات لا زالت تحدث رغماً عن صدور قانون "ساربينز أوكسلي" عام 2002 الذي ألزم كبار التنفيذيين على المصادقة على صحة البيانات المالية، وألزم الشركات على تبني ممارسات حوكمة معينة للتحقق من جميع ما ينشر من بيانات وما يصدر من إفصاحات وغير ذلك من إجراءات متعلقة برفع جودة المراجعة والتدقيق وحماية وتشجيع من يطلقون صافرات الإنذار. كما إن هذا القانون ينطبق على الشركة وإدارتها خارج إطار نشر البيانات المالية، حيث يؤكد القانون على مسؤولية الشركة عن صحة ما قد يظهر من معلومات وتصريحات، وعلى وجه الخصوص ألا تتضارب تلك التصريحات مع ما تمت المصادقة عليه في البيانات المالية، إلا من خلال بيان رسمي صادر عن الشركة.
في السعودية لدى هيئة السوق المالية السعودية لوائح شبيهة بقانون "ساربينز أوكسلي" لضمان نزاهة وشفافية السوق المالية، تشمل متطلبات الإفصاح الكامل عن جميع المعلومات المتعلقة بالأوراق المالية والجهات المصدرة وما إلى ذلك من تطورات مادية ومعلومات جوهرية لحماية المستثمرين من خلال لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية وآلية تعويض المستثمرين، إلا أنه لا يبدو أن هناك حذرا كافيا من قبل التنفيذيين في بعض الشركات، حيث يسود أحياناً على تصريحاتهم ومخاطباتهم لوسائل الإعلام إفراط في التفاؤل وأحياناً الجزم بأمور لا يمكن الجزم بها، لذا قد يكون من المناسب لهيئة السوق التنبيه على ضرورة الالتزام بالحقائق فقط، وعدم إخفاء أي تطورات سلبية محتملة قد تؤثر بشكل كبير في الإيرادات المستقبلية أو في نجاح أو فشل مشاريع معينة أو تقنيات مستخدمة.