مسيرة الاحتياطي الفيدرالي العسيرة بدأت للتو
هل تعاني الولايات المتحدة ركود الاقتصاد؟ توقعوا زيادة التقلبات عند اكتشاف الأسواق ومسؤولي البنك المركزي ذلك.
هل تمادى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كثيراً في معركته ضد التضخم حتى دفع أكبر اقتصاد في العالم إلى ركود مدمر؟
هذا السؤال المزعج أحدث هزة شديدة في الأسواق العالمية أخرجتها من فترة هدوئها الطويلة، وينبغي أن نتوقع اضطرابات وهزات أخرى قبل أن تظهر له إجابة.
قبل أسبوعين فقط حولت انتمائي من التشديد إلى التيسير، وتخليت عن تأييدي لرفع أسعار الفائدة لأنادي بتخفيضها فوراً من أجل تجنب ركود الاقتصاد.
وقد اتضح أن موقفي هذا ليس سابقاً لأوانه ولو بلحظة واحدة. فمنذ ذلك الحين، تراكمت الدلائل بسرعة على ضعف سوق العمل وهدوء معدلات التضخم، ما يعطي إشارة قوية على أن "الاحتياطي الفيدرالي" قد تأخر كثيراً.
جدير بالملاحظة أن متوسط معدل البطالة في الولايات المتحدة لثلاثة أشهر وصل إلى 4.13%، بزيادة 53 نقطة أساس عن أدنى مستوى له في الـ12 شهراً السابقة. وهي زيادة تتجاوز عتبة "قاعدة سهم" التي تبلغ 50 نقطة أساس التي تشير دائماً إلى وقوع ركود في الولايات المتحدة وإلى ارتفاع البطالة بمعدلات أعلى كثيراً في المستقبل.
والأكثر من ذلك أن معدل الزيادة في أعداد المدرجين على قوائم الأجور تباطأ بالتوازي مع معدلات التوظيف والاستقالة، فيما ارتفعت طلبات إعانة البطالة سواء للمرة الأولى أو المتكررة.
على صعيد التضخم في الولايات المتحدة، سجل المؤشر الذي يفضله "الاحتياطي الفيدرالي" -أي معامل الانكماش الأساسي في نفقات الاستهلاك الشخصي- قراءة حميدة في يونيو وللشهر الثالث على التوالي، مرتفعاً بنسبة 0.2% فقط عن مستوى شهر مايو.
ارتفع متوسط الأجر في الساعة بنسبة 3.6% في شهر يوليو عن مستوى الشهر نفسه من العام الماضي، ومقارنة بـ3.8% في شهر يونيو، بما يتسق مع اتجاه التباطؤ في مؤشر تكلفة التوظيف في الربع الثاني من العام.
هل تتحقق "قاعدة سهم" هذه المرة؟
يرى كثير من الاقتصاديين، ومن بينهم كلوديا سهم نفسها، أن "قاعدة سهم" لا تنطبق بالضرورة على الاقتصاد هذه المرة، فالزيادة الكبيرة في حجم قوة العمل هي التي قادت ارتفاع معدل البطالة، وليس تسريح العاملين. وعندما سُئل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول عن هذه القاعدة قال: "إنني أصفها بأنها عملية انتظام إحصائي. ولا تشبه القوانين الاقتصادية التي تخبرنا عن احتمال حدوث شيء ما."
ربما كانوا على حق، لكنني لن أحدد السياسة النقدية على أساس ذلك الافتراض. فقد حققت "قاعدة سهم" نجاحاً معقولاً في أواخر الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما كانت قوة العمل أيضاً تنمو بوتيرة سريعة. وهي تعكس عملية اقتصادية أساسية تتمثل في أن تدهور سوق العمل يميل إلى تغذية نفسه ذاتياً. فالعاطلون عن العمل ومن يشعرون بالقلق بشأن أمنهم الوظيفي ينفقون أموالاً أقل، ما يدفع الشركات إلى تخفيض التوظيف. وعندما يجري تجاوز عتبة مؤشر "سهم"، كانت البطالة دائماً ترتفع أكثر بكثير. وكانت أقل زيادة من القاع حتى الذروة تبلغ نحو نقطتين مئويتين.
ماذا ينبغي لـ"الاحتياطي الفيدرالي" أن يفعل إذاً؟ كلما انتظر لفترة أطول تزداد احتمالات الخسائر، فالسياسة النقدية تقشفية وتزداد تقشفاً مع انحسار الزيادة في كل من الأسعار والأجور. ومن الضروري دفعها إلى المستوى الحيادي. وتقع تقديرات أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لسعر الفائدة الحيادي في نطاق 2.4% حتى 3.8% (وبحسب تقديري هو في النصف الأعلى من هذا النطاق).
مشوار طويل يواجه الاحتياطي الفيدرالي
معنى ذلك أن أمام "الاحتياطي الفيدرالي" مشواراً طويلاً حتى يبلغ المستوى الحيادي لسعر الفائدة من نقطة سعر الفائدة الحالي على الأرصدة الفيدرالية الذي يبلغ فعلياً 5.3%. وإذا وقع الاقتصاد في ركود، فسيجب على "الاحتياطي الفيدرالي" أن يندفع إلى منطقة احتوائية بأن يهبط بسعر الفائدة إلى 3% أو أقل.
من الضروري إجراء خفض فوري لسعر الفائدة، لكن هذا أمر مستبعد للغاية. فلن يتسق ذلك مع أسلوب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في التفاعل، ونادراً ما يتخذ "الاحتياطي الفيدرالي" مثل هذه الخطوة خارج اجتماعاته المنتظمة لإقرار السياسة النقدية، فقط عندما تحدث صدمة حادة تغير التوقعات الاقتصادية تغييراً كبيراً أو تهدد الاستقرار المالي.
وهذا يقودنا إلى الاجتماع القادم لإقرار السياسة النقدية في 17 و18 سبتمبر. فقد يقوم "الاحتياطي الفيدرالي" بخفض الفائدة إما بمقدار 25 أو 50 نقطة أساس، اعتماداً على ما تظهره البيانات الاقتصادية من الآن وحتى ذلك الحين. وبعد ذلك، فإن المسار غير واضح. ويمكن أن يكون سلسلة تدريجية من تخفيضات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس تنتهي إلى فائدة أقل من 4%، أو انحدار أكثر حدة إلى سياسة تحفيزية إذا استمرت "قاعدة سهم."
ربما تستمر حالة الشك والغموض بشأن مسار السياسة النقدية مرتفعة لعدة أشهر. لذا استعدوا لمزيد من التقلبات في أسواق الأسهم والسندات.
خاص بـ "بلومبرغ"