فائدة القوائم المالية في قراءة اتجاهات الأسهم
سؤال صعب جدا، ولا توجد إجابة شافية حتى الآن، وقد يقول القارئ، ما الفائدة من القوائم المالية إذن؟ القوائم المالية التي تنشرها الشركات تمس ذات الغرض العام، تقدم معلومات واسعة للشركة تكون مفيدة لفئات عدة ومختلفة من أصحاب القرار، من بينهم الجهات الحكومية والمستثمرون الحاليون والمحتملون سواء كانوا على شكل مقرضين أو ملاك، وكذلك الموردون وكبار العملاء، فهي تقدم معلومات مختلفة تساعد كل فئة على اتخاذ القرارات ذات الصلة، وعلى هذا فهناك معلومات في القوائم المالية تفيد فئة ولا تفيد فئة أخرى، وتناسب قرارا ولا تدعم قرارا آخر، ولذا فإن قراءة وتحليل القوائم المالية للشركات تتطلب مهارات خاصة وتدريبا عاليا، وتقدم كليات الأعمال مقررات خاصة لتحليل القوائم المالية، وهناك كتب متخصصة في هذا المجال، كما أن الأمر يتطلب (فوق تلك المعرفة) مهارات ذات طبيعة خاصة وعين فاحصة وتدريب طويل للوصول إلى روح فنية متأصلة.
من يطالب المضاربين في السوق المالية بقراءة القوائم المالية وتحليلها لاتخاذ قرارات الشراء والبيع هو كمن يطلب من مريض الأسنان أن يجلس على كرسي الطبيب ويستخدم أدواته ويعالج نفسه لمجرد أنه قادر على لمس تلك الأدوات.
البعض يتوقع أن قراءة القوائم المالية عملية سهلة، فيربط حركة الأسهم برقم الأرباح، أو بحجم التوزيعات النقدية، وقد فندت ذلك في مقالات عدة، وأعود هنا للقول إن محاولة فهم التنبؤ بحركة السهم (عند المدى القصير) من خلال التحليل الأساسي الذي يطالب به البعض هو ضرب من الخيال، وفي سوق الأسهم وجدنا شركات لم تحقق أرباحا منذ عقود وسعر السهم يتجاوز شركات قيادية ذات أرباح مليارية.
وهنا شركات لم تنفذ عملية (بيع) واحدة ولم تحقق إيرادا فضلا عن تحقيق أرباح، ومع ذلك فإن السهم في صعود لأكثر من سنة، فلا تظن أن السوق تتحرك بناء على تحليل القوائم المالية فقط.
ومع ذلك فإن القول بإطلاق عدم فائدة القوائم المالية هو تضليل أيضا، فالمركز المالي للشركة وقدرتها على إنتاج الأرباح تظل ذات تأثير في القرار، لكن أي قرار نقصد! أهم معلومة في تحليل القوائم المالية هي الاستدامة، وهذه أخطر المعلومات، فقدرة الشركة على البقاء، هي المحك في عمليات إقراض الشركة (لذلك لا تستثمر في شركة لا تستطيع الاقتراض) ومع الأسف فإن هذه المعلومة قد تتأثر بسلوك هيئة السوق ونظام السوق المالية أكثر من القوائم المالية نفسها، فقد تفصح القوائم المالية لعدد من الشركات في السوق المالية عن عدم قدرتها على الاستمرار ولم تجد مقرضين لها ويؤكد تقرير المراجع الخارجي ذلك.
وهنا ترى علميات المضاربة تتصاعد على السهم رغم عدم منطقية ذلك، إذ كيف يقدم إنسان رشيد اقتصاديا على التخلي عن أمواله ليمنحها طوعا لشخص يهرب من شركة تقول بصراحة إن قدرتها على البقاء لمدة عام مشكوك فيها وبشكل جوهري، السبب -في ظني، وإن كان الأمر يتطلب بحوثا سلوكية- هو مراهنة المشترين على السماح لها بزيادة رأس المال أو غير ذلك من التصرفات التي تسمح لها بالبقاء.
ومن هنا كنت وما زلت أطالب بعقاب الشركات التي تتورط في تقرير عدم استدامة، وأن يتم إخراجها من السوق الرئيسة فورا، وليس وضع إشارة فقط. دور هيئة السوق حماية المعلومات، وأفضل حماية لمعلومة عدم الاستدامة هو إخراج الشركة من التداول.
تحليل القوائم المالية يتطلب فنا ومهارة وعلما، وقليل جدا من يمتلكون ذلك، في ظل أن المعلومات الداعمة للتحليل محدودة جدا، والمواقع الإلكترونية التي تقدمها قليلة ومحتكرة (وهذا موضوع آخر)، حتى ما تقدمة "تداول" في هذا الشأن لا يقدم دعما كبيرا للأفراد.
ولهذا فإنني أنصح دوما بألا يقدم الشخص بنفسه على الاستثمار في الشركات، بل يتم ذلك من خلال صناديق الاستثمار المتخصصة، التي نحتاج من هيئة السوق المالية أن تعزز عملها من خلال تعزيز حوكمتها وشفافية أعمالها، ولهذا أنصح بشدة بتطوير أعمال صناديق الاستثمار وتطوير أدواتها في الإعلان والتسويق.