علاقة عكسية بين المنافسة والفساد
أنشأت الحكومة السعودية الهيئة العامة للمنافسة. وتُشرف على تطبيق نظام المنافسة ولائحته التنفيذية. وتتجلى مهام هذه الهيئة في 3 وظائف رئيسة، هي: حماية المنافسة العادلة، وإنفاذ النظام، ومراقبة الأسواق. والتركيز على الأولى.
المقصود بالمنافسة أي وجود كثرة بائعين أو مزودي خدمات في أسواق السلع والخدمات. هذه الكثرة مرغوب فيها لأن هناك علاقة قوية بين ضعف المنافسة السوقية والأسعار والفساد. لكن لا يصلح التعميم. فهناك حالات خاصة لا تناسبها المنافسة. والكلام عام وليس المقصود به سوق سلعة أو دولة بعينها.
كيف يحدث ضعف أو فقد المنافسة في السلع أو الخدمات؟ غالبا باستخدام أو تطوير أساليب تمنع أو تصعب دخول منافسين. وغالبا ما يكون الانفراد أو قلة البائعين أو ما يسمى الاحتكار وأشباهه ليس في مصلحة المشترين.
هناك نوع غير تنافسي مرغوب به، وهو الانفراد الطبيعي Natural Monopoly، نظرا لأن طبيعة إنتاج سلع بعينها تجعل تعدد المنتجين يزيد تكاليف إنتاج الوحدة المنتجة في أسعارها. وربما أشهر مثال شركات المياه والكهرباء. ومثال آخر تكرار النفط وصناعات بعينها. طبيعة السلعة تجعل تعدد الشركات المنتجة البائعة ترفع تكاليف الإنتاج فبيع الوحدة الواحدة من السلعة أو الخدمة.
خلاف ذلك، هل يعمل ضعف المنافسة على نشأة الفساد أو أن الفساد يتسبب في ضعف المنافسة؟ من ناحية نظرية، من الممكن أن يسهم كل واحد في نشأة الآخر. وتفسير العلاقة أن المنافسة تخفض عوائد أو أرباح الأنشطة التجارية. هذا هو الأصل.
يرى بعض الباحثين الذين درسوا علاقة الاثنين أن الفساد مرتبط سلبا بمؤشرات متنوعة على الحرية الاقتصادية. فمثلا، عملت دراسات لفهم العلاقة، وقامت هذه الدراسات على أساس اعتبار متغيرات مستقلة مثل الناتج المحلي. عملت هذه الدراسات على مجموعة كبيرة من الدول، واستعمل مستوى انفتاح الدولة مؤشرا على التنافسية. طبقت بيانات ومؤشرات فساد من دول كثيرة، بينت وجود علاقة عكسية بين الانفتاح والفساد، وجد أن النتائج قوية لإضافة متغيرات أخرى تشرح موضوع النقاش.
حاول باحثون آخرون دراسة العلاقة على أساس تأثير مؤشرين آخرين. مقياس غير معياري تماما للهيمنة السوقية، والمقصود إلى أي مدى يقع السوق تحت هيمنة عدد محدد من البائعين. ورقم قياسي آخر لقوانين مكافحة التكتل، ويقيس فاعلية هذه القوانين في مراجعة ومحاربة الممارسات غير التنافسية. وينتهي الكلام إلى أن السوق التي تتصف بأنها أقل تنافسية، تتسم بدرجة أعلى من الفساد، ويأتي ذلك من وجود بيئة تتيح الحصول على منافع بطرق غير مشروعة.
طبعا مشكلة السببية تثار هنا، قد تكون الأمور بصورة عكسية، بمعنى أن الانفراد أو ما انتشرت تسميته بالاحتكار صنيعة الفساد وليس العكس، وتحصل المنشآت على فرص معوقة للتنافسية عبر أكثر من آلية وطريقة، فمن الممكن أن تحصل على قوة مباشرة في السوق مثلا عبر تكتلات أو اندماجات واستحواذ أو وضع عراقيل أمام المنشآت الجديدة لدخول السوق.
ومن الممكن أن تحصل على هذه الفرص عبر تكلفة الصفقات مثل جمود القوانين والتنظيمات تجاه منشآت، ومن الممكن أن تحصل عليها عبر ضغوط مثل وضع اشتراطات ظاهرها تجاري نزيه، وحقيقتها صناعة معوقات أمام المنافسين المحتملين.
هناك نمط آخر للعلاقة، علاقة التعاقد لتنفيذ مشاريع، قد تدفع شركات رشاوى للحصول على عقود. ما تأثير هذه الرشاوى خلال إجراءات المنافسة في طرح العقود؟ أظهرت نتائج تطبيقية، باستخدام بيانات من دول أن الفساد يعمل في مرات كثيرة على تثبيط شركات من النمو. ويؤثر الفساد في مخرجات إجراءات الطرح. لوحظ أن الشركات التي تفوز بعقود منظمات يقل فيها الفساد، يلاحظ أن أداءها أفضل من الشركات الأخرى، والنتيجة المستقاة أن الفساد يضعف جودة الشركات الفائزة بالعقود.
باختصار، تساعد المنافسة على خفض الأسعار، وتحسين بيئة الأعمال، وخفض تأثيرات الفساد، إلا في حالات سلع ذات طبيعة خاصة بها، تجعل المنافسة ليست الخيار المطلوب. ومن المهم أن تكون المنافسة تحت تنظيمات حكومية للسوق، تعمل على تحقيق أهداف قابلة للتحقيق بأقصى قوة ممكنة.