تحول اقتصادات الأراضي

منذ بداية الحضارة قبل 10 آلاف سنة وللأرض مركزية اقتصادية بدءا بالزراعة والإقطاع إلى التمدن ولاحقا محاولات إدارة القطاع لأسباب وأهداف مختلفة، إلى أن وصلنا دورها كأحد الأصول في الاستثمارات والمضاربات المالية رحلة طويلة جعلت الأرض أحيانا مثل الذهب -في العائد على المدى البعيد- حيث أن كليهما يتماشى مع التضخم. ربما من أوسع دائرة كل المجتمعات تمر من الإقطاع إلى عصر الإصلاح باختلاف مؤثر في تجارب الأمم و تعاملها مع المكون الاقتصادي والاجتماعي.

في السعودية، للأراضي منطلق اقتصادي بدأ مع السبعينيات لأن ما سبقها يعكس حالة اقتصادية مختلفة جوهريا عما سبقها. فحين جاءت الأموال في السبعينيات لم يكن هناك قاعدة اقتصادية متنوعة وعميقة لتوظيف الأموال، لذلك وجدت الأموال الأراضي بمنزلة الوجه الآخر لمعادلة محاسبية. بدأ يتشكل نموذج اقتصادي طابعه مالي، والأراضي (كالجزء الصلب في واقع سائل ماليا). استمر الوضع لأن المال أقوى وأسرع تأثيرا في التصرفات في ظل غياب سيطرة قوى الاقتصاد الحقيقية مثل الإنتاج والإنتاجية.

فحين يتعود الناس على شيء يكسِبهم ماليا يصعب التنازل عنه وجدانيا وواقعيا. طبعا الأمور دائما نسبية في مدى التركيز لأن دائما هناك إنتاجا ونتجية، لكن نتحدث عن الطابع العام والتوجه فقط. استمرت الحالة لعقود لأن النجاح المالي من حيازة الأرض كان واضحا للجميع من التجربة. لا أتحدث هنا عن الطبيعة التوزيعية وبعض تشوهاتها المتوقعة وكيف نشأت، لأن أغلب المواطنين استفادوا بدرجات مختلفة ربما كأي نشاط استثماري آخر. في الأخير تجارة الأراضي ليست خطأ أو فريدة لبلد معين، لكن سيطرتها على الشأن الاستثماري لم تكن صحية.

قبل نحو 15 سنة بدأ حديث على صفحات هذه الجريدة وغيرها عن نشاز الحالة وبعض جوانبها السلبية واقترح بعضهم رسوما أو إعلان الزكاة بطريقة أكثر دقة وشفافية وما إلى ذلك من الاقتراحات، كذلك أصبحت الأراضي وتسجيل وتناقل ملكيتها عملا غير متجانس في كتابة العدل وأحيانا المحاكم، ما أدى إلى تفاقم أخطار في الملكية أحيانا. إلى أن وصلنا إلى الرؤية المباركة التي بدأت تنظر للاقتصاد عامة بنظرة مختلفة. نظرة أوسع وأعمق لأن الإعداد لما بعد عصر النفط بدأ، خاصة أن التحول يستغرق عقودا.

أحد إفرازات التحول أن يتجه زخم النشاطات الاقتصادية إلى البشر وإبداعاتهم والأدوار التي يقومون بها من خلال أعمال منظمة تفيد الآخرين وتوظف كثير وربما تساعد على التصدير لجلب عملات صعبة، نشاطات اقتصادية لا تعرف عن ملاك الأراضي التحول من حالة اقتصادية إلى أخرى لا بد أن يمر من خلال الأراضي وملكيتها.

غير المتناغمة مع التحول المالي لأغراض وأهداف اقتصادية أخرى. حتى مع تطور أسواق رأس المال لا تزال ملكية الأراضي تشكل أكثر من 10 أضعاف قيمة الأسهم، لكن أيضا لم يمكن التقييم في ظل افتراضات ساكنة، يصعب التقدير والأحرى بهيئة الإحصاءات أو غيرها إعداد دراسات ومؤشرات عملية لهذا القطاع. الجوهري اقتصاديا تجميع الأموال المربوطة في الأراضي بالتالي إعادة تقييم الأراضي تدريجيا كي تعود اقتصاديا إلى دورها الطبيعي في الدورة الاقتصادية والأغراض الأساسية لها، وتتجه رؤوس الأموال لاستثمارات وليس الحيازات والمضاربات، المهم سرعة التحول ودقة المعلومات وحماية الحقوق.

ارتفاع الأسعار في بعض المناطق وانخفاضها في أخرى ربما متوقع في ظل التحول الكبير خاصة أن شمال الرياض وبعض المناطق في السعودية أصبحت قطبا تطويريا. لن أقدم توقعا لأن أي توقع سيصبح خطأ سريعا لكن أتوقع نجاحها في قيادة تحول صحي لهذا القطاع وأن تصبح الأسعار في تجانس طبيعي في اقتصاد ناجح تجد السلع القابلة للمتاجرة دوليا وغير القابلة كالأراضي في تفاعل وتكافؤ سلس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي