الباخرة العملاقة تنتظر موجة كبيرة

ما زالت أسعار النفط تواصل انخفاضاتها ضمن سلسلة من الانخفاضات التي شهدتها في الأسابيع الماضية، هذه الانخفاضات لم تمنعها تزايد حدة معامل الأخطار التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط المشتعل، حيث منابع إنتاج النفط وممراته المائية المهمة واحتياطياته النفطية الهائلة.

وتجاهلت الأسواق هذه التوترات والتصعيد وتفاقم الحرب على غزة وعلى حدود لبنان واحتمالية توسع الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية، لم تعر الأسواق هذه التوترات اهتماماً كبيراً، بل أبعد من ذلك لم يشغل بالها ما يحدث في ليبيا، حيث الإنتاج الليبي الذي تم تفعيل بند القوة القاهرة التي أعلنتها الشركات النفطية على حقول الدولة المهمة فلم تجد بُداً من إعلام عملائها بأنها غير قادرة على إيصال براميل النفط المتفق عليها في العقود المبرمة نتيجة إجبار حكومة الشرق في بنغازي على وقف الإنتاج بالقوة الجبرية، وهي التي تتحكم في معظم حقول الدولة التي تتموقع في حوض سرت وباقي الشرق الليبي.

ذلك النفط الذي لا يُعوض بسهولة نظراً لمميزاته الكيميائية وانخفاض نسبة الكبريت فيه، فهو النفط الحلو الخفيف الذي ترغبه المصافي وخاصة الأوروبية منها، وهو الإنتاج المؤثر الذي وصل إلى حدود 1.2 مليون برميل يومياً.

أسواق النفط أيضاً تجاهلت أواخر الشهر الماضي انخفاض المخزونات الأمريكية لأسابيع كما تجاهلت شراء نحو 2.5 مليون برميل لإعادة ملء المخزونات الإستراتيجية الأمريكية بعد أكبر عملية سحب منه حدثت في التاريخ الأمريكي وبلغت 180 مليون برميل من احتياطي الطوارئ 2022.

كما لم تعبأ بالإشارات التي أرسلها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى الأسواق باستعداده لخفض سعر الفائدة، وهي ما يعزز النمو الاقتصادي العالمي ويدفع بالطلب العالمي على النفط بشكل أكبر. إذن، ما الذي تحتاجه الأسواق لإيقاف هذه السلسلة من الانخفاضات المتتالية؟ وهل من الطبيعي أن تحدث هذه الانخفاضات في مثل هذه الظروف الاقتصادية والجيوسياسية الحالية؟ لن ننكر ما يحدث في الصين وهو الاقتصاد الذي إذا عطس أصيب اقتصاد العالم بالبرد ولن نتجاهل أن الاقتصاد الصيني أخفق بتحقق مستهدفاته في الربع الثاني من هذا العام، حيث لم يتحقق الناتج المحلي الإجمالي المستهدف عند 5 % كزيادة سنوية وتوقف عند 4.6 % في الربع نفسه.

إلا أن الأساسيات تصب في مصلحة الاقتصاد ومعدلات النمو على الطلب على النفط التي أعلنتها كل من "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية ما زالت تشير إلى نمو متزايد في الطلب على النفط هذا العام والعام المقبل، إذن، ما الذي تحتاجه أسواق النفط لعكس هذه العوامل في تحركاتها؟ ولماذا لا تستجيب رغم كل ما يحدث حولها ؟

الحقيقة أن أسعار النفط أصبحت مثل الباخرة العملاقة التي تنتظر موجة كبيرة لتغير اتجاها، فلم يعد القليل من الإنتاج هنا أو هناك عاملاً مهماً في تحريك مسارها، بل تحتاج إلى صدمة قوية بخسارة إنتاج يتعدى مستوى 5 % من الإنتاج العالمي لتغير مسارها الذي تتجاهل معه أهم العوامل الاقتصادية والجيوسياسية والعلمية التي تحكم الأسواق عادةً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي