الأخ الأكبر الديجتالي يطل برأسه
لا بد أن مر القراء الكرام على مصطلح "الأخ الأكبر" في قراءتهم نصوصا عربية. لكن أظن أن كثيرين قد لا يعرفون معنى المصطلح واستخداماته وكيف دخل معجم اللغة العربية وصار كأنه نابع من رحمها.
المصطلح العربي ترجمة حرفية للمصطلح الإنجليزي وهو Big Brother . لن أدخل في تفاصيل إن كانت الترجمة صحيحة أم لا، لكنني أقول إنها تفشل في نقل ظلال المعاني المختلفة التي يشكلها المصلح بالإنجليزية.
هناك فرق كبير بالمعنى إن كتبنا الحرف الاستهلالي للمفردتين في المصطلح بحروف كبيرة أم حروف صغيرة مثلا. وترد في معجم أكسفورد للغة الإنجليزية ثلاثة معان مختلفة للمصطلح استنادا إلى طريقة كتابة الحرف الاستهلالي لأي من المفردتين.
لسان الضاد ليس فيه خاصية خط حرف استهلالي كبير أو صغير للمفردات. كيف تستجيب العربية لنقل الفوارق الخطية الدقية للمعنى الذي يمنحه استخدام الحروف الكبيرة أم الصغيرة للغة الإنجيلزية ليس أمرا شائكا، ولسان الضاد له القدرة على تطويعه، لكن سنترك هذا الموضوع لمقال مقبل.
لنترك الشأن هذا جانبا، ونركز على الأخ الأكبر وكيف سطا على أخطر وأهم ساحة في حياتنا اليوم وهي الساحة الرقمية أو الديجيتالية وما يتفرع منها من خوارق تكنولوجية خصوصا في باب الذكاء الاصطناعي.
"الأخ الأكبر" في الأساس تعني الأخ البكر في العائلة في اللغتين العربية والإنجليزية التي فيها المصطلح بحروف استهلالية صغيرة عندما تكون الإشارة إلى هذا المعنى.
بيد أن المصطلح باللغة الإنجليزية أخذ منحى مختلفا تماما في أغلب المضامير منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعد أن قام الروائي الإنجليزي الشهير جورج أورويل في روايته ذائعة الصيت 1984 بإطلاقه على أحد شخوصه.
منذ ذلك الحين، اتخذ المصطلح بعدا مختلفا وصار يشير إلى أي شخص أو مؤسسة أو دولة تتحكم وتحتكر نشاطا حياتيا كان أو سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو إعلاميا أو خطابيا أو اجتماعيا أو عسكريا أو صناعيا أو غيره.
والذين يملكون ناصية الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي بشركاتها التريليونية الحالية ينطبق عليهم مصطلح "الأخ الأكبر" حسب المفهوم الأورويلي، لأنهم يحتكرون ليس المنصة وحسب بل الذي يجب أن يصعد عليها وما عليه أن يكتب أو ينطق وما في إمكانه أن يسمع أو يقرأ أو يرى.
وأفضل مثال ربما ينطبق على منصة إكس أو تويتر سابقا. بالطبع هناك أمثلة أخرى أيضا مثل الفيسبوك أو إنستغرام أو تيك توك أو وي شات أو غيرها، وهي شركات مهولة لم تكن موجودة قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن.
اخترت منصة إكس لتأثيرها الكبير وليس عدد مستخدميها الذي يقل بكثير مما لدى المنصات الشهيرة الأخرى. تنبع أهمية إكس لأن أغلب روادها المؤثرين هم من النخبة، أي أساسا كثير منهم يقع في خانة "الأخ الأكبر،" حسب التوصيف الأورويلي.
ومن ثم، فإن منصة إكس هي المحطة التي تبقى عيون الصحافيين في العالم لا سيما الذين يمثلون الإعلام الرئيس في الغرب، مشدودة إليها لأنها مصدر لا يمكن الاستغناء عنها للأخبار.
لكن من ينظم هذا الملتقى الديجتالي ومن يحمل في يده مفتاح بوابات التحكم في انسياب الخطاب فيه؟ إنها اللوغاريتمات التي تديره ومعادلاتها لن تقوم بتنفيذ واجبات الذكاء الاصطناعي الملقى على عاتقها دون مواقفة صاحب المنصة.
ومن له اليوم سطوة على الخطاب مثل مالك المنصة الديجيتالية، ليس إكس وحسب بل أي منصة شهيرة أخرى؟
إننا مقبلون على جنس جديد من "الأخ الأكبر" لا أظن ورد في خلد كاتب واسع الخيال مثل جورج أورويل: إنه الأخ الأكبر الديجتالي.