التباطؤ يغلف اقتصاد الصين
"تجب زيادة الطلب الداخلي وإيجاد بيئة مؤاتية للاستهلاك والاستثمار"
رئيس الصين، شي جين بينج
تبقى الساحة الاقتصادية الصينية محط الأنظار العالمية في كل حالاتها، ولا سيما في ظل الصعوبات التي تشهدها، التي يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي "التباطؤ". وهذا الأخير كان في العقدين الماضيين أبعد ما يكون عن ساحة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لماذا؟ لأنه كان المحرك الأهم للنمو العالمي كله. والصين (كما غيرها من البلدان الكبرى) تواجه مشكلات اقتصادية متنوعة منذ مطلع العقد الحالي.
جائحة "كورونا" كانت بالطبع على رأسها، إلى جانب سلسلة من المعوقات المحلية التي كان بالإمكان العمل على إزالتها في فترة زمنية قصيرة، إلا أن التداعيات تسارعت، الأمر الذي أبطأ الحراك العام، لتأتي في ظل هذا المشهد، أزمة العقارات المحلية، لتزيد من حالة الإرباك، وتأثيرات المعارك التجارية مع عدد من البلدان المؤثرة في الساحة الدولية.
هناك كثير من المعطلات التي يواجهها الاقتصاد الصيني. صحيح أنه يتسم بالمرونة، إلا أن التوجهات الحكومية الهادفة لحل ما أمكن من المشكلات، تقلل من زخم هذه المرونة، كما هو الحال في كل الاقتصادات الكبرى والصغرى. لكن المساعي جارية مع تغييرات في "الذهنية" الحكومية بالطبع، وفق الحقائق الموجودة على الأرض. فمعدل النمو الأعلى الذي وضعته بكين لهذا العام عند 5%، قد لا يتحقق.
وفي الربع الثاني من العام الجاري سجل النمو 4.7% نزولاً من 5.3% في الربع الأول الذي سبقه. وهذا يعد مؤشراً لتباطؤ قد لا ينتهي في غضون عامين على الأقل، الأمر الذي دفع مجموعة من الشركات العالمية العاملة في البلاد، إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها، خصوصاً مع تراجع واسع في مجال الإنفاق الاستهلاكي.
هناك عدة عوامل أساسية للتباطؤ الحالي في الصين، من بينها المديونية المرتفعة، وجمود الاستهلاك، وعدم التوصل بعد لحلول ناجعة لأزمة العقارات الكبيرة، وتراجع ملحوظ في الاستثمارات الأجنبية. وهذه الأخيرة بدأت تظهر بسرعة، مع ارتفاع حدة الحذر في أوساط عدد متزايد من المستثمرين في السوق الصينية. فالضمانات السابقة، لم تعد متوافرة على الأقل في الوقت الراهن، انتظاراً لخطوات تستعد الحكومة لاتخاذها قبل نهاية هذا العام.
لكن عليها الحذر من سياسة التشديد النقدي التي اتخذتها قبل أكثر من عامين، لتقليل أخطار الديون. وهذه النقطة تمثل محوراً رئيساً للجهود الفاعلة الهادفة لتقصير مدة التباطؤ الاقتصادي على مستوى البلاد. دون أن ننسى، الآثار السلبية التي يتركها تراجع ما يمكن وصفه بـ"المشاريع الجذابة"، التي سادت المشهد المحلي طوال عقدين من الزمن.
سيصل الاقتصاد في الصين إلى مرحلة التعافي المأمولة، إلا أنه لن يتمكن من ذلك في مسافة زمنية قصيرة. وكل شيء بات مرهوناً بالإجراءات الحكومية المقبلة، التي لا بد أن تأخذ في الحسبان تأمين الحد الأدنى من النمو الذي وضعته لنفسها. غير أن المؤثرات الخارجية السلبية على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ستواصل تهديدها أيضاً للمسار العام، ولا سيما تلك التي ستنجم عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فقد واجهت بكين صعوبات كبيرة مع الإدارة الديمقراطية الحالية، على عكس ما كانت تتوقع، في حين أنه يمكن رسم صورة واضحة للعلاقات مع الولايات المتحدة، في حال عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. فهذا الأخير يرى في الصين عدواً تجارياً خطيراً، والتعريفات الجمركية المرتفعة اليوم على الصادرات الصينية، ستصل إلى أوجها في حال وصل الجمهوريون إلى الحكم في واشنطن. وفي كل الأحوال، لا بد من تغييرات اقتصادية صينية سريعة، على أمل تقليص مدة التعافي عموماً.