أسواق النفط والسلوك الغريب
تكبدت أسواق النفط خسائر كبيرة في الأسابيع الماضية كانت الأسوأ منذ ديسمبر 2021 العام الذي سبق اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، وواصلت أسواق النفط خسائرها حتى في ظل أجواء الحرب التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط واحتدام الصراع في الشرق الأوروبي بين روسيا وأوكرانيا.
لقد تغير سلوك أسواق النفط التي طالما كانت تتمسك بالأساسيات أساسا لسلوكها ومرجعا يحكم تداولاتها وينظم تعاملاتها، أصبح هذا السلوك في الفترة الأخيرة مثيرا للاهتمام بشكل كبير حيث لم يبدو متسقا مع حجم التغيرات في الأساسيات وضخامتها وازدياد وانخفاض معدلاتها التي تحكم السوق النفطية عادة.
من الطبيعي أن يلف الأسواق بعض الضبابية وعدم الوضوح في فترات زمنية محددة يصعب معها التنبؤ بمستقبلها ومآلاتها وإلى أين تتجه في ظل الأحداث الكبرى وعدم اليقين في توجه متخذي القرار حيالها ومدى تأثيرها في الأسواق، لكن أن تتصرف الأسواق بشكل معاكس للأساسيات وتتجاهل الأحداث الكبرى وتغض الطرف عن قرارات لا يختلف أحد على تأثيرها فهذا ما يجعل هذا السلوك مثيرا للاهتمام حقا. لقد شهد الأسبوع الماضي مجموعة من القرارات والتطورات المهمة التي لا يختلف أحد على تأثيرها في الأساسيات التي تتبعها أسواق النفط عادة.
فهذه ثماني دول من مجموعة أوبك بلس قررت أن تأجل وصول 2.2 مليون برميل يوميا وهو مجمل التخفيضات الطوعية إلى الأسواق حتى ديسمبر المقبل، ما يجعل العرض يخسر هذه الكمية للشهرين المقبلين، كما قررت المجموعة نفسها التشديد على نسب امتثال أعضائها وإقرار كميات خفض من الدول التي لم تتلزم بحصصها السوقية وأسهمت في فائض من الإنتاج إلى الأسواق في الأشهر الماضية ليتم حسم هذا الفائض من حصصها المقبلة حتى سبتمبر العام المقبل في مجموع بلغ 2.687 مليون برميل يوميا. وهذه البيانات القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى انخفاض في مخزونات النفط لأكثر من 6 ملايين برميل للأسبوع الماضي مقابل التوقعات التي كانت تشير إلى ما يقارب مليون برميل.
كما أن الدولار العامل المهم في معادلة الأساسيات الذي يلعب دورا عكسيا في معادلة أسعار النفط بدأ ضعيفا وهو الذي كلما ارتفع ضعف الطلب على النفط وضعفه يحفز الطلب عليه ومع هذا تجاهلت الأسواق هذا الضعف في سعر الدولار وتجاهلته، إذن لماذا تتصرف أسواق النفط بهذه الغرابة وتتجاهل أساسياتها ومنطقها؟ الجواب هو أن الأسواق أصبحت رهينة للمعنويات المقبلة من أكبر اقتصادين في العالم وهما الصين والولايات المتحدة وتحت نفوذ ما يعتقد أنه بوادر ركود اقتصادي سيكتسح الولايات المتحدة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة التي ما فتئت الأسواق تتلقى إشارات من الفيدرالي لخفضها لكنها لم تحصل عليها حتى الآن وهو الذي يسعى جاهدا في حربه على التضخم للقضاء على أي نسبة تفوق 2% منه وكما أن المعنويات لا تزال تسيطر على الأسواق بسبب ما يجري في الصين العملاق الاقتصادي الذي أخفق في الوصول إلى نسبة نمو في النتاتج المحلي الإجمالي بمعدل 5% والمخاوف من انخفاض واردتها من النفط. ورغم أن الرياح التي تدعمها الأساسيات قوية جدا إلا أن الرياح المعاكسة التي تعاكسها من المعنويات أصبحت أعلى صوتا وأكثر تأثيرا وهو ما جعل أسواق النفط تتصرف بغرابة شديدة في الآونة الأخيرة.