هل تربح البنوك من خفض الفائدة أم من ارتفاعها؟
تبدو المرحلة المقبلة لمعدلات الفائدة غامضة نوعاً ما، فهي توحي بخفض متوقع بربع أو نصف نقطة مئوية في الاجتماع المقبل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وربما يلي ذلك خفض آخر قبل نهاية العام، لكن ذلك مشروط بعدم عودة معدل التضخم للارتفاع، لذا ينشأ تساؤل عما إذا كانت البنوك تستفيد من خفض معدلات الفائدة أم من ارتفاعها؟ فما الذي يحكم استفادة البنوك الأمريكية والسعودية من ذلك، ولماذا تراجع هذا الأسبوع الفيدرالي الأمريكي عن مقترح رفع الأصول الاحتياطية للبنوك، كما أعلن عنه العام الماضي؟
الجواب المباشر أن البنوك تستفيد من ارتفاع الفائدة وانخفاضها على حد سواء، لكن هناك تفاوتا في مقدرة كل بنك على التعامل مع تقلبات معدلات الفائدة، كما أن التأثير يختلف بحسب طبيعة عمل البنك وحجمه، فيختلف التأثير في البنوك التقليدية التي تعتمد على القروض عن بنوك الاستثمار، كما أن التأثير يختلف بحسب حجم الأصول النقدية لدى البنك، وما لديه من إجراءات تحوط تجاه ارتفاع وانخفاض معدلات الفائدة.
وبشكل عام تميل البنوك إلى تحقيق مزيد من الأرباح عندما ترتفع أسعار الفائدة، والسبب أن معظم الربحية تعتمد على الفارق بين تكلفة الودائع وعوائد القروض، ويتحقق ذلك في الأوضاع الاقتصادية الجيدة حيث يستمر الطلب على القروض حتى مع ارتفاع الفائدة، وهذا ما رأيناه في المشهد السعودي في العامين الماضيين بسبب النشاط الاقتصادي والطلب العقاري.
في المقابل عندما ترتفع الفائدة تزداد المنافسة على الودائع بسبب مطالبة المودعين بعوائد أعلى، وتضعف لا محالة وتيرة النشاط الاقتصادي بسبب استمرار ارتفاع معدلات الفائدة، ومن ثم بسبب التخوف من الركود الاقتصادي تقوم البنوك المركزية بخفض معدلات الفائدة، وحينها ترتبك البنوك وتبدأ في إعادة حساباتها.
في منتصف هذا العام، نجد أن البنوك الكبيرة الأمريكية تحتفظ بالمتوسط بنحو 12% من أصولها كاش، وقريب منها البنوك الصغيرة بنسبة 15%، ونجد النسب قريبة من ذلك لدى البنوك السعودية، والفائدة من هذه المستويات أن البنوك التي لديها أصول نقدية تستطيع الاستفادة بشكل سريع من ارتفاع الطلب على القروض حين تنخفض أسعار الفائدة كما هو متوقع، وفي الوقت نفسه هذه الأصول النقدية مفيدة كسلاح تحوط وأمان تجاه أي مخاطر مالية واقتصادية فيما لو حدث هناك ركود حاد مستقبلاً.
انخفاض معدلات الفائدة يخفض من عوائد السندات التي تحتفظ بها البنوك لكن في المقابل البنوك تستفيد من ذلك في إصدار سندات جديدة بفوائد أقل وفي تنويع محافظها الاستثمارية نتيجة التغيرات في الفرص الاستثمارية وعوائد الأصول، وهذا ما قامت به البنوك أثناء أزمة كورونا حيث استفادت من تدني معدلات الفائدة في إصدار سندات، حيث أصدرت البنوك الأمريكية وقتها نحو 1.6 تريليون دولار كسندات ثانوية ومكملة، وهي حركة ذكية تحوطية قامت كذلك بها بعض الشركات الكبيرة.
لكن مع استمرار منحنى عوائد السندات في الانعكاس فالبنوك تواجه مشكلة كبيرة في أنها تضطر إلى الاقتراض على المدى القصير بمعدلات عالية – بسبب انعكاس المنحنى – وتقوم بالإقراض على المديين المتوسط والطويل بمعدلات معتدلة نسبياً، لذا فإن البنوك ستستفيد من اعتدال منحى العوائد في هذا الجانب.
أخيراً، قرر الفيدرالي هذا الأسبوع التراجع عن المقترح الذي أعلنه العام الماضي في سياق تنظيم بازل 3 بهدف تقوية المراكز المالية للبنوك، حيث كان المقترح أن يشترط على البنوك الكبيرة الاحتفاظ برؤوس أموال كبيرة تحسباً لأي أزمات وتعثرات لاحقة، فتم تقليص النسب المطلوبة بأكثر من النصف، وهذا مفيد جداً للبنوك، خصوصاً مع الانخفاض المتوقع لمعدلات الفائدة، حيث إن رفع الاحتياطيات يحد من حركة الائتمان البنكي ويقلص الربحية. وفي الوقت نفسه المقترح الأصلي ضار للبنوك السعودية، والسبب أن كثيرا من القرارات التي يتخذها الفيدرالي الأمريكي تجد طريقها إلى كثير من البنوك المركزية بما في ذلك المركزي السعودي.