ماذا يحمل بدء الفيدرالي الأمريكي خفض الفائدة ؟

حينما تجاوز التضخم سقف 4 % ثم 5 % في النصف الثاني من 2021، واستمر بعد ذلك التاريخ في الصعود إلى أن وصل ذروته الأعلى منذ مطلع الثمانينيات الميلادية خلال الربعين الثاني والثالث من 2022، كانت أسعار الفائدة قريبةً من الصفر، ولم تبدأ البنوك المركزية بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفعها إلا قبل نهاية الربع الأول من 2022، وهو ما يعد متأخراً جداً في تلك المرحلة الزمنية، ووقع لومه الأكبر على الفيدرالي الأمريكي الذي ظنّ خاطئاً أنّ ارتفاع التضخم كان مجرد ظاهرة عابرة، وثبت لاحقاً أنّه كان التحدي الأكبر أمام البنوك المركزية طوال 4 عقودٍ زمنية مضت.

في الوقت الراهن، تراجعت معدلات التضخم إلى مستوياتٍ متدنية دون 3 % في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وأغلب مناطق العالم، بينما لا تزال أسعار الفائدة إمّا ثابتة عند أعلى مستوياتها التاريخية منذ 2001 أو قريبةً من تلك المستويات، ويقترن ذلك بكثيرٍ من الحيطة والحذر من قبل البنوك المركزية التي ما زالت غير متيقنةً من كبح التضخم، على الرغم من اقترابه كثيراً من مستوياته المستهدفة عند 2 % فأدنى، ويزداد الترقّب مع ارتفاع احتمالات ركود الاقتصاد العالمي وتصاعد معدلات البطالة إلى أعلى من 4 % في أغلبية البلدان، وأهمية أن تتحرك البنوك المركزية نحو سياسةٍ نقدية محفزة للاقتصاد، والمحافظة على استقرار أسواق العمل وقوة الإنفاق الاستهلاكي، ودون تجاهل احتمالات عودة التضخم للارتفاع مجدداً لأسبابٍ أخرى ناتجة إمّا عن زيادة الاضطرابات الجيوسياسية وتأثيراتها العكسية في سلاسل الإمداد وحركة التجارة العالمية، التي قد تتأثر هي أيضاً بالسياسات الحمائية للبلدان الكبرى، على رأسها الولايات المتحدة والصين وما يلوّح كل منهما للآخر في الفترة الراهنة من تصعيدٍ للرسوم الجمركية فيما بينهما، وكل هذا يدفع إلى كثافة ضبابية تحد من رؤية واضحة لمستقبل الاقتصاد العالمي والأسواق حول العالم، ويزيد بالتأكيد من الأخطار والتحديات أمام الجميع دون استثناء، وفي مقدمة هذا الركب تأتي البنوك المركزية في شتى البلدان.

يأتي هذا الحديث في الوقت الذي ارتفعت ثقة المستثمرين بإقدام الاحتياطي الفيدرالي على أوّل قراراته بخفض سعر الفائدة على الدولار الأمريكي، ملتحقاً بالبنك الأوروبي المركزي الذي سبقه بخفض الفائدة في يونيو الماضي من هذا العام، ويبقى الاختلاف إن وجد متركزاً على حجم الخفض بين 25 نقطة أساس أو 50 نقطة أساس، اللتان تحملان دلالاتٍ على حقيقة رؤية الفيدرالي تجاه الوضع الاقتصادي، الذي سيميل إلى إشعال شمعةٍ سلبية تجاه مستقبل الاقتصاد الأمريكي متى وصل خفض النقاط الأساسية للفائدة إلى 50 نقطة أو حتى أكثر!.

وهنا سيتحوّل مصدر الخوف في الأسواق ولدى المستثمرين من مراقبة نتائج المواجهة بين سياسات الفيدرالي ضد التضخم، إلى مصدرٍ آخر أكبر للخوف من ترقّب حالة الاقتصادات وأسواق العمل، وهل سيغوص الاقتصاد العالمي في وحل الركود أم لا؟ وهذا بالتأكيد يحمل في طيّاته أثقالاً أكبر مما مضى طوال الثلاثة أعوامٍ الماضية، وتمتد أيضاً انعكاساته السلبية بصورةٍ أكبر تتجاوز الأسواق إلى ما هو أبعد، وكيف ستتعامل معه البنوك المركزية ومعها الأجهزة المالية المسؤولة عن الإنفاق الحكومي في عموم البلدان، خاصةَ في ظل ارتفاع حجم الديون السيادية لأغلبها إضافةً إلى الشركات والأُسر في المحيط العالمي ووصولها إلى أعلى مستوياتها التاريخية.

كل هذا ستكون جميع أسواق العالم على موعدٍ معه بالتزامن مع موعد إعلان الفيدرالي الأمريكي عن قراره تجاه سعر الفائدة، وهو ما يعني فتح صفحةٍ جديدةٍ من ترقّب الأسواق والمستثمرين حول العالم لحقبةٍ زمنية مقبلة لا يقل همّها وخوفها عمّا مضى خلال الثلاثة أعوامٍ الماضية، هذا ما لم تكن أكبر في ظل الأخطار والتحديات المحيطة بالاقتصاد العالمي وأسواق العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي