ممر لوبيتو .. حرب صامتة بين واشنطن وبكين في إفريقيا

ممر لوبيتو .. حرب صامتة بين واشنطن وبكين في إفريقيا

أعلنت الولايات المتحدة، أواخر شهر أغسطس الماضي، استعدادها توسيع مشروع السكة الحديدية الخاص بممر لوبيتو؛ الذي ينطلق من أنغولا إلى زامبيا مرورا بالكونغو الديمقراطية انتهاء بتنزانيا، ليتجدد النقاش حول حرب الممرات التجارية في القارة الإفريقية بين القوى الكبرى.

يرمي مشروع التوسعة الذي يعد أكبر استثمار أمريكي في البنية التحية في إفريقيا، بدعم يقدر بـ250 مليون دولار، وتمويل إضافي من حلفائها الأوروبيين، ويرتقب الانتهاء منه بحلول 2029، تحويل ممر لوبيتو إلى حزام يربط طرفي القارة، من أنغولا غربا في المحيط الأطلسي حتى تنزانيا شرقا في المحيط الهندي.

تاريخيا، شيد الممر الممتد لمسافة تبلغ 1800 كلم في عمق إفريقيا، عام 1902 على يد البريطانيين، بإقامتهم خط سكة حديد يمتد لأكثر من 1300 كلم في أنغولا؛ من مقاطعة بنجويلا إلى مقاطعة موكسيج، وداخل الأراضي الكونغولية بطول 400 كلم نحو مدينة التعدين كولويزي، ثم بنحو 100 كلم أخرى وصولا إلى حزام النحاس في زامبيا.

عزم واشنطن إحياء ممر لوبيتو الذي كان، ولعقود من الزمن، الشريان الحيوي للنقل بالمنطقة، حتى توقفه عن العمل في سبعينيات القرن الماضي، بسبب الحرب الأهلية في أنغولا، عائد إلى الأهمية الإستراتيجية للممر الذي يبقى أقصر الطرق، بالنسبة لواشنطن وحلفائها، لبلوغ المعادن النادرة والحرجة في إفريقيا.

فضلا عن كونه أداة من أدوات القوة الناعمة الأمريكية في القارة، التي تعمل على محاكاة النهج الصيني في إفريقيا. كما تعد كذلك الرد الأمريكي؛ المتأخر نسبيا، على إستراتيجية الحزام والطريق الصيني لعام 2013، الذي يطمح إلى تطويق النفوذ الصيني بالقارة السمراء.

لا يمكن فصل التحرك الأمريكي بأعماق إفريقيا عن سعي الصناعات الأمريكية إلى الحصول على المعادن الإستراتيجية والحيوية في القارة، مثل: الكوبالت والنيكل والليثيوم والنحاس والألمنيوم والمنغنيز، التي تبقى ضرورية في الصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المكثفة.

ولا يمكن فصلها عن توقعات وكالة الطاقة الدولية بخصوص زيادة الطلب على النيكل والكوبالت بمقدار 20 مرة بين 2020 و 2040، وعلى الليثيوم بأكثر من 40 مرة، خلال نفس الفترة. ما سلط الأضواء بقوة على ممر لوبيتو، باعتباره طريقا عابرا لأحزمة المعادن الإستراتيجية في القارة.

كما لا يمكن فصلها عن تراجع قدرات الصين التنافسية في إفريقيا، بسبب التباطؤ الاقتصادي، وتزايد أخطار الديون بعدد من الدول، ناهيك عن التحديات الاقتصادية الداخلية، ما قلص الاستثمار المرتبط بمبادرة الحزام والطريق إلى 70 مليار دولار في 2022.

كل ذلك دفع واشنطن للتحرك قصد العمل على توسعة ممر لوبيتو نحو تنزانيا بشرق القارة، تفاديا لأخطار الاقتصار على منفذ أو معبر واحد، لا سميا أن الأمر يتعلق بنقل موارد إستراتيجية بالنسبة للدول الكبرى، حيث ستصبح موانئ تنزانيا بالمحيط الهندي بوابة جديدة إلى جانب ميناء لوبيتو الأنغولي بالمحيط الأطلسي.

يتوقع أن يسهم تمدد الممر في تحسين فرص التصدير بالنسبة لعدد من دول وسط إفريقيا، خصوصا منها الحبيسة "غير الساحلية"، بضمان الربط السريع لحزام الكوبالت في الكونغو وحزام النحاس في زامبيا وبقية المعادن والموارد الطبيعية بالأسواق العالمية بسرعة ويسر، في اتساق مع أجندة الاتحاد الإفريقي الرامية إلى تسهيل التجارة داخل القارة، ومع بقية دول العالم.

 

الأكثر قراءة