لماذا يدعم خفض الفائدة حظوظ هاريس في الانتخابات الأمريكية؟
قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعاته الأخيرة بدء دورة التيسير النقدي عبر خفض الفائدة بـ50 نقطة أساس. تلك اللحظة التي طال انتظارها منذ شهور شكلت بارقة أمل لعديد من الاقتصادات العالمية، فخفض الفائدة يعني الانتقال من مرحلة محاربة التضخم وكبح الطلب إلى مرحلة تنشيط الاقتصاد ودعم الاستهلاك. وقد تعددت الأطراف المستفيدة من القرار فمن أسواق الأسهم إلى السلع مثل الذهب والنفط، ومن العملات المشفرة إلى عملات الأسواق الناشئة، كلها قطاعات ستشملها الاستفادة بشكل مباشر وغير مباشر نتيجة خفض تكاليف الاقتراض وتراجع جاذبية العملة الأمريكية مع انخفاض العوائد على السندات الدولارية.
لكن يبدو أن هناك مستفيدا أكبر من القرار. الحديث هنا عن المرشحة الديمقراطية لرئاسة الولايات المتحدة كمالا هاريس، التي تستعد لخوض غمار انتخابات عصيبة مع المرشح الجمهوري دونالد ترمب. فكمالا التي تشغل حاليًا منصب نائب الرئيس سيعيطها القرار دفعة إضافية في الطريق إلى البيت الأبيض، فالتخفيضات وإن كانت ما زالت محدودة إلا أنها تعطي المستهلكين والمنتجين في الداخل الأمريكي جرعة من التفاؤل بالوضع الاقتصادي تحت قيادة الإدارة الحالية.
على جانب آخر يقف قرار الفيدرالي ضد حظوظ خصمها دونالد ترمب، المناصر لأسعار الفائدة المنخفضة الذي ظل طوال حملته الانتخابية يروج لخفض الفائدة بهدف دعم الاقتصاد والإنتاج المحلي. فشعار حملة ترمب "جعل أمريكا عظيمة مجددًا" يرتكز على تقديم الحوافز للشركات الأمريكية لعودة الإنتاج إلى الداخل. وتشمل تلك الحوافز تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات من الخارج سواء من الصين أو أوروبا، بجانب تخفيضات ضريبية للشركات، والأهم خفض تكاليف الاقتراض مع إبقاء مستويات الفائدة عند معدلات متدنية كما كانت الحال في فترته الرئاسية الأولى.
إضافة إلى خفض الفائدة فالمشهد الاقتصادي العام في الولايات المتحدة يرجح كفة هاريس في انتخابات نوفمبر. البداية من التضخم الذي وصل في أغسطس 2024 إلى أدنى مستوى منذ فبراير 2021 مسجلًا 2.5%، ومقتربًا من المستويات المستهدفة للفيدرالي عند 2%. متجاوزًا بذلك مختلف الصدمات التي تضرب الاقتصاد العالمي وعلى رأسها التوترات الجيوسياسية المؤثرة في سلاسل الإمداد والتوريد وحركة الشحن العالمية.
أسعار الفائدة المرتفعة لن تمنع الاقتصاد الأمريكي من الاستمرار في تحقيق معدلات نمو جيدة. حيث سجل معدل نمو وصل إلى 3% خلال الربع الثاني من 2024، بينما سجل معدل نمو كلي في 2023 وصل إلى 2.5%. ليتمكن بذلك اقتصاد الولايات المتحدة من تجنب مصير الاقتصادات المتقدمة في العالم مثل أوروبا واليابان التي عانت تباطؤا كبيرا خلال آخر عامين نتيجة لأسعار الاقتراض المرتفعة والصدمات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية.
وعلى الرغم من الضغوطات التي تشكلها معدلات البطالة المرتفعة في الولايات المتحدة، حيث وصلت في أغسطس 2024 إلى 4.2%، متأثرة بتباطؤ سوق العمل نتيجة الانكماش في الأنشطة الاستهلاكية والإنتاجية. إلا أنه بالنظر إلى فترة ترمب في الرئاسة تبدو المستويات الحالية غير مقلقة، حيث وصل معدل البطالة في أبريل 2016 إلى 5.1% وذلك دون صدمات اقتصادية أو توترات جيوسياسية وفي ظل أسعار فائدة تقترب من الصفر في ذلك التوقيت.
مؤشرات الوضع الخارجي للاقتصاد الأمريكي وبالأخص الصادرات تدعم هاريس. على سبيل المثال ارتفعت الصادرات الأمريكية بنحو 15% خلال الفترة بين (2021-2023) لتتخطى بذلك في 2023 حاجز تريليوني دولار، مقابل 1.6 تريليون دولار في عام 2019 في عهد ترمب. النمو في الصادرات تدعمه سياسات متوازنة في التعامل مع الحلفاء وبالأخص في الغرب وآسيا، وتلك الميزة التي سيفقدها الاقتصاد الأمريكي في حالة عودة ترمب للحكم مع الاتجاه لفرض تعريفات جمركية مبالغ فيها على واردات مختلف الدول وفي مقدمتها الدول الأوروبية.
ختامًا فإن خفض أسعار الفائدة قبيل انطلاق الانتخابات في نوفمبر المقبل يعطي أفضلية لهاريس. وفي ظل نجاح الإدارة الحالية في التعامل مع الملفات الاقتصادية مثل التضخم والنمو الاقتصادي فإن ذلك يرجح كفتها ويعزز من حظوظها لتكون الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة.