التكلفة المطفأة وربحية البنوك
تنبه كثير من البنوك حول العالم، بما في ذلك البنوك السعودية، لأهمية تصنيف الاستثمارات في القوائم المالية بعد سلسلة رفع معدلات الفائدة منذ مارس 2022، لما لذلك من تأثير كبير في الأرباح المعلنة وكذلك في مستوى كفاية رأس المال، لذا تسعى البنوك الكبيرة إلى تجنب تذبذب القوائم المالية من خلال إعادة تصنيف الاستثمارات، وبالفعل بدأت بعض البنوك السعودية بتغيير تصنيف بعض استثماراتها، وستظهر نتائج ذلك في إعلانات الربع الثالث قريباً، مثلاً البنك الأهلي السعودي أعلن أنه في التقرير القادم سيتم تعديل تصنيف محفظة قيمتها 17 مليار ريال من كونها تسجل بالقيمة العادلة إلى التكلفة المطفأة.
هل ستؤثر هذه التعديلات في أرباح البنوك، أم أنها مجرد تصنيفات محاسبية غير مهمة؟
بشكل عام تسجل استثمارات البنك كالسندات والأسهم والمشتقات بالقيمة العادلة أو بالتكلفة، وإذا كانت بالقيمة العادلة فتكون بطريقتين، إما بالتأثير المباشر في قائمة الدخل أو بتجنب قائمة الدخل وتسجيل التغيرات من ضمن حقوق المساهمين في قائمة المركز المالي، والفارق هنا أن طريقة قائمة الدخل قد تحدث تذبذبات حادة في ربحية البنك، لأن التغير في قيمة تلك الاستثمارات يظهر مباشرة في قائمة الدخل، ويكون سيئا في حال ارتفاع معدلات الفائدة بسبب انخفاض أسعار تلك الاستثمارات وتسجيلها خسائر على الورق. هذا النوع من الاستثمارات عادة هو الأصغر من بين بقية استثمارات البنك، حيث يسجل أكثرها بالقيمة العادلة، لكن دون إظهار ذلك في قائمة الدخل، بل تذهب الفروقات إلى حقوق المساهمين، وهذه عادة تكون للاستثمارات التي ينوي البنك الاحتفاظ بها لفترة طويلة نسبياً، وليست للمتاجرة أو المضاربة كما في الاستثمارات المدرجة بالقيمة العادلة من خلال قائمة الدخل.
التغييرات التي قامت بها بعض البنوك السعودية هدفها التخفيف من هذين النوعين من الاستثمارات بتصنيفها كنوع ثالث يعتمد على سعر التكلفة، وليس القيمة السوقية لتلك الاستثمارات، وتسمى استثمارات مقتناة بالتكلفة المطفأة، وهي مفيدة في الحد من تذبذبات كل من قائمتي الدخل والمركز المالي، كون الاستثمارات تسجل بسعر الشراء وتترك دون تغيير من تقرير لآخر، وعادة تجد معظم الاستثمارات من هذا النوع حتى قبل موجة ارتفاع معدلات الفائدة، والسبب أن هناك بنوكا تهدف إلى الاستقرار والحفاظ على مراكز مالية قوية والاستثمار طويل المدى.
التساؤل المهم هنا عن أيها أفضل للمستثمرين ولسعر السهم؟
بشكل عام، إذا كانت معدلات الفائدة متجهة نحو الانخفاض، كما هو متوقع حالياً على الرغم من بعض التحفظات التي ذكرناها في المقال السابق، فإن أسعار السندات والصكوك التي يمتلكها البنك سترتفع بقوة، تحديداً كلما كانت مدة السند طويلة تأثر سعره أكثر بهبوط سعر الفائدة، ما يعني أن اتجاه البنوك نحو تصنيف السندات بالتكلفة المطفأة سيفوت عليها فرصة إعلان الاستفادة من ارتفاع أسعار ما لديها من سندات، ولذا سيحتاج المستثمر إلى جهد أكبر لمعرفة ربحية البنك الحقيقية. بمعنى آخر، تصنيف الاستثمارات بالتكلفة المطفأة يؤدي إلى نقص الشفافية، وذلك شبيه بشركة تمتلك أراضي مسجلة بسعر الشراء، قد لا يكتشف المستثمر قيمتها الحقيقية بسهولة. ومن جهة أخرى، التكلفة المطفأة تساعد على ثبات الأرباح وعدم تذبذب قيمة كفاية رأس المال الذي يحسب وفقاً لاتفاقية بازل 3 بحسب قيمة الأصول ومقدار حقوق المساهمين، وهذا غير مهم جداً للبنوك السعودية بسبب كفاية رأس المال العالية. والفائدة الأخرى أنه في حال لم تنخفض معدلات الفائدة، أو أنها ارتفعت مستقبلاً، فتكون طريقة التكلفة المطفأة ألطف على قائمة الدخل، وفي كل الأحوال تبقى مسألة تلاشي الشفافية من أبرز السلبيات.
تصنيف استثمارات البنوك بالقيمة العادلة أو بالتكلفة المطفأة له تأثير في الربحية المعلنة والمراكز المالية للبنوك، والتأثير ليس شكلياً فقط، بل قد يكون هناك تأثير فعلي في الربحية، والسبب أن تصنيف استثمارات للاحتفاظ بها لكامل المدة بدلاً من كونها قابلة للبيع والشراء في أي وقت، قد يحد من قدرة البنك على التصرف فيما لديه من استثمارات، كما قد يحصل فيما لو انخفضت معدلات الفائدة وارتفاع أسعار تلك الاستثمارات، ولكن لن يستطيع البنك حينها البيع بسهولة وهي مسجلة بهذا الشكل.