تفاعل سوق النفط مع تصاعد الصراع

لأشهر، تجاهلت أسواق النفط أي تهديد من صدمة في العرض في الشرق الأوسط، وراهنت على ضعف الطلب من الصين وأمريكا، إلى جانب الآمال بزيادة الإنتاج من "أوبك+". نتيجة لذلك هيمنت المشاعر الهبوطية على سوق النفط في أواخر الصيف وأوائل الخريف.

ولكن في الأسبوع الماضي، عادت أسعار النفط إلى الارتفاع الكبير، مسجلة أقوى مكاسب أسبوعية لها في أكثر من عام بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. وأغلق خام غرب تكساس الوسيط مرتفعا بأكثر من 9.0% ليصل إلى 74.38 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام برنت بأكثر من 8.0% ليصل إلى 78.05 دولار، مدفوعا بمخاوف من صراع إقليمي أوسع نطاقا قد يعطل إمدادات النفط.

ويواجه سوق النفط حاليا منعطفا حرجا، مدفوعا بتصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والتساؤلات حول الطاقة الإنتاجية الاحتياطية العالمية. السوق عالقة بين احتمال حدوث اضطرابات كبيرة في العرض واحتمال تدخل "أوبك بلس" والمنتجين الآخرين للتخفيف من نقص الإمدادت. مع تهديد الصراع لمناطق إنتاج النفط الرئيسة في العالم، تراقب الأسواق عن كثب إشارات ارتفاع الأسعار.

بالفعل، أصبح المشهد الجيوسياسي أكثر خطورة. وأثارت الإجراءات العسكرية ضد حزب الله والتهديدات ضد البنية التحتية النفطية الإيرانية مخاوف من حدوث اضطرابات كبيرة في الإمدادات. وشهدت إيران، ثالث أكبر منتج في أوبك، ارتفاع إنتاجها النفطي إلى 3.7 مليون برميل يوميا. لكن، التصعيد الكبير قد يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل، ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات أكثر صرامة أو هجمات مباشرة على منشآت النفط الإيرانية. وقد يؤدي هذا إلى إزالة ما يصل إلى 4 % من إمدادات النفط العالمية، وهي ضربة كبيرة للسوق.

قد يتأثر أيضا مضيق هرمز، وهو نقطة مرور حاسمة لشحن النفط العالمي، إذا انتشر الصراع، ما يزيد من تشدد خطوط الإمدادات. ويحذر المحللون من أن الضربة المباشرة للبنية التحتية النفطية الإيرانية من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، مع تكهن البعض بأن أسعار النفط قد تعود إلى 100 دولار للبرميل.

على خلفية هذه التطورات، اجتمع وزراء "أوبك بلس" لمراجعة ظروف السوق، لكن لا يُتوقع حدوث أي تغييرات في سياسة الإنتاج. تخطط المجموعة لزيادة الإنتاج تدريجيا بدءا من ديسمبر. ومع ذلك، فإن أي تصعيد إضافي في الشرق الأوسط قد يلغي تأثير هذه الخطط ويدفع الأسعار إلى الارتفاع، ما يعوض أي مكاسب في العرض من "أوبك+".

في خضم هذه المخاطر الجيوسياسية، لعبت بعض العوامل من جانب العرض دورا في الحد من مكاسب الأسعار. حيث، ارتفعت مخزونات النفط الخام الأمريكية بشكل غير متوقع بمقدار 3.9 مليون برميل للأسبوع المنتهي في  27 سبتمبر، ما يشير إلى سوق مزودة جيدا، ما خفف من بعض علاوة الأخطار الجيوسياسية.

إضافة إلى ذلك، تحتفظ "أوبك+" بطاقة إنتاجية احتياطية كبيرة، تقدر بنحو 5.86 مليون برميل يوميا، تتركز إلى حد كبير في المملكة والإمارات. يمكن أن يعوض هذا الاحتياطي عن الخسارة الكاملة للإمدادات الإيرانية إذا تم استهداف البنية التحتية للنفط، وهو ما يظل احتمالا قائما مع تصاعد التوترات. ولكن إذا امتد الصراع إلى مضيق هرمز، فقد تصبح هذه الطاقة الاحتياطية عُرضة للخطر، مما يثير المخاوف بشأن اضطرابات أوسع نطاقا في الإمدادات.

علاوة على ذلك، يخفف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، والذي يمثل نحو 13% من إنتاج النفط العالمي، من حدة الصدمات في الإمدادات. ومن المتوقع أن يصل الإنتاج إلى مستوى قياسي يبلغ نحو 13.5 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العام. وقد ساعد هذا التنوع في العرض على الحد من ارتفاع أسعار النفط، حتى مع تصاعد التوترات الجيوسياسية.

من المرجح أن تظل سوق النفط صعودية، إذا استمر تصاعد التوترات الجيوسياسية. وينبغي على السوق مراقبة ارتفاعات الأسعار المحتملة إذا اشتد الصراع أو إذا قررت إسرائيل ضرب منشآت النفط الإيرانية. وستكون العناوين الجيوسياسية الرئيسة حاسمة في تشكيل سوق النفط، حيث يراقب المتداولون عن كثب تطور الصراع وتداعياته على إمدادات النفط العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي