سياسات الحماية الأمريكية تأتي بنتائج عكسية

على مدى السنوات القليلة الأخيرة، تبنت الولايات المتحدة سياسات متزايدة الميل إلى تدابير الحماية، فرفعت الرسوم الجمركية، راجعت أو انسحبت من اتفاقيات التجارة الحرة، وقيدت التجارة مع الدول التي عدتها تشكل تهديدا إستراتيجيا. وفي حين تهدف هذه التدابير إلى ممارسة الضغط على خصوم متـصـورين مثل الصين، فإن أدلة متنامية تشير إلى أن العقوبات الاقتصادية في أفضل تقدير غير فعّـالة، وفي أسوأ الأحوال هَـدّامة.

ومن المؤكد أن بعض العقوبات قد تصادف النجاح، خاصة عندما تكون مدعومة بإجماع دولي واسع النطاق. وتُـعَـد العقوبات متعددة الأطراف التي فرضت على جنوب إفريقيا في ثمانينيات القرن العشرين مثالا رئيسا. رغم تمكن بعض المصدرين من التهرب من العقوبات، فأنها ظلت تؤدي دورا حاسما في الضغط على الأقلية البيضاء في البلاد، لإنهاء نظام الفصل العنصري. لكن عندما تُفرض العقوبات من جانب واحد أو من قبل مجموعة صغيرة من البلدان، فإنها تميل إلى أن تكون أقل فاعلية في إقناع من تستهدفهم بتغيير سلوكياتهم.

عملت قواعد منظمة التجارة العالمية، القائمة على مبادئ مثل: عدم التمييز بين الشركاء التجاريين، والمعاملة المتساوية للكيانات الأجنبية والمحلية، على تعزيز الشفافية في الممارسات التجارية وتمكين التعددية من الازدهار. وتحت قيادة الولايات المتحدة، ازدهر الاقتصاد العالمي، وشهد أكثر من 50 عاما من النمو الاقتصادي السريع، وزيادة حادة في التجارة الدولية، فضلا عن انخفاض معدلات الفقر.

لكن التزام أمريكا بالتجارة الحرة تمكن منه الضعف تدريجيا، وتحول إلى تقهقر تام النطاق بعد انتخاب دونالد ترمب في 2016. كانت إحدى أولى تحركات ترمب كرئيس سحب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي كانت لتصنع أكبر سوق منفردة في العالم. ثم فرض من جانب واحد رسوما جمركية على مجموعة من السلع، بما في ذلك الغسالات، والألواح الشمسية، والصلب، والألمنيوم، وزاد بشكل كبير الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية. رغم أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات من جانب واحد في السابق، فقد ارتفعت وتيرة هذه العقوبات وكثافتها خلال رئاسة ترمب. فبين عامي 2017 و2020، فرضت الولايات المتحدة أكثر من 3900 عقوبة.

ولم يكن أداء العقوبات المفروضة على التصدير أفضل. فكما أشارت أخيرا ميجان هاريس، المسؤولة السابقة في الأمن القومي الأمريكي، فإن الجهود الأمريكية لتعزيز تصنيع أشباه الموصلات محليا عن طريق فرض قيود على تصدير التكنولوجيات المتقدمة "تضر على نحو فريد بالشركات الأمريكية دون أن تحقق أي هدف إستراتيجي".

كثيرا ما يتسبب إصرار المنتجين في البلدان المستهدفة على التحايل على القيود -إبداعهم في إيجاد طرق للقيام بذلك- في تقويض فاعلية الرسوم الجمركية والعقوبات. عندما يتعلق الأمر بأجهزة آيفون وغيرها من السلع، ربما يكون بوسعنا أن نزعم أن العقوبات ضد الصين أدت إلى ارتفاع التكاليف التي يتحملها المستهلكون الأمريكيون دون الحد بشكل كبير من اعتماد الولايات المتحدة على سلاسل التوريد الصينية.

رغم أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة من جانب واحد على المؤسسات المالية كانت إلى حد ما أكثر فاعلية من تلك المفروضة على السلع، فإن الأموال يمكن توجيهها عبر دول 3. وإذا لم تجبر العقوبات الجهات التي تستهدفها على تغيير سلوكها بالسرعة الكافية، فسوف يجد المتضررون في النهاية الطرق للتهرب منها.

يؤكد سجل العقوبات الأحادية الجانب الهزيل على الفوائد التي جلبها نظام التجارة العالمي بعد الحرب. ومن الحكمة أن تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على الحد من اعتمادهم على مثل هذه التدابير، لأن العمل متعدد الأطراف -الـمُـنَـسَّـق من خلال هيئات مثل منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة- يحظى بفرصة أكبر كثيرا لإحراز النجاح.


خاص بـ "الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي