مسؤول خليجي لـ"الاقتصادية": النفط والاستثمارات قوتنا في مفاوضات التجارة الحرة

مسؤول خليجي لـ"الاقتصادية": النفط والاستثمارات قوتنا في مفاوضات التجارة الحرة
رجا المرزوقي المنسق العام للمفاوضات لدول مجلس التعاون الخليجي العربي
مسؤول خليجي لـ"الاقتصادية": النفط والاستثمارات قوتنا في مفاوضات التجارة الحرة

ثمة تساؤلات تطرح عن مستقبل الاقتصاد الخليجي المنفتح على الاقتصاد العالمي في ظل الاستقطابات الدولية والأحداث الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط حاليا.

ويرى الدكتور رجا المرزوقي المنسق العام للمفاوضات لدول مجلس التعاون الخليجي العربي ـ رئيس الفريق التفاوضي لمجلس التعاون الخليجي في حوار مع "الاقتصادية" أن لدى دول الخليج قوة ومميزات تعطيها قوة تفاوضية، مؤكدا أن دول المنطقة الـ6 إذا عملت كتكتل واحد، يجعلها تقريباً الـ 10 على مستوى الاقتصاد العالمي، وهذا يعطيها ثقلاً اقتصاديا، فالمميزات في قضية مخزون الغاز، ومخزون النفط، والموقع الجغرافي، والقوة الشرائية في الداخل، والصناديق الاستثمارية الضخمة يجعل لها ميزة إذا استغلت، بطريقة صحيحة.

وكشف عن مفاوضات للتجارة الحرة محل نقاش مع عدة دول، بينها: بريطانيا، الصين، نيوزيلندا، إندونيسيا، تركيا، واليابان، ستبدأ قريبا جولاتها، معبرا عن أمله بتوقيع اتفاقيات معها في أسرع وقت.

وأكد الحاجة لتبني دول الخليج سياسة مستقرة مع الشرق والغرب، وتفعيل أكثر لاتفاقيات التجارة الحرة، بانتهاج مبدأ الاقتصاد المفتوح لتحقيق المنفعة الاقتصادية.. فإلى نص الحوار:

كيف تنظر لمستقبل اقتصاد دول الخليج؟

اقتصادات دول الخليج منفتحة على الاقتصاد العالمي، ولذلك تجد أن نمو دول الخليج معتمد على صادرات النفط والغاز وأسعارها في الأسواق العالمية، ما يجعل معدلات نمو الاقتصاد الخليجي متغيرة وغير ثابتة.
فالاقتصاد الخليجي مندمج مع الاقتصاد العالمي، لذا يحتاج إلى أن تتبنى دول الخليج سياسة مستقرة مع الشرق والغرب، وتفعيل أكثر لاتفاقيات التجارة الحرة، إذ لاحظنا في الآونة الأخيرة مع الصراعات الدولية وبعد جائحة كورونا، أن الدول بدأت تتبنى الاتفاقيات الثنائية لمعالجة إشكالية منظمة التجارة العالمية، والوضع القائم الآن، خاصة مع تعطيل أمريكا للمحكمة العليا في منظمة التجارة العالمية، وعدم التجديد لـ3 من القضاة، ما أدى إلى عدم تفعيل المحاكمات في المنظمة التي كانت أقوى جزء يساعد على تحقيق المستهدفات.
هذا الواقع في المنظمة جعل دول العالم تحاول تقليل الأخطار من خلال الاتفاقيات الثنائية.
نلحظ أيضا أن اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية ازدادت في العالم لإدارة هذه الأخطار. وفي هذا السياق يأتي الموقف الخليجي في تفعيل مثل هذه الاتفاقيات، والنظرة الاقتصادية للتوجه إلى الصادرات، لا التنمية المعتمدة على الواردات.

كيف توازن دول الخليج علاقاتها مع الدول المتأثرة بالحروب التجارية بين أمريكا والصين؟

إذا حصل التقسيم المطلوب الذي تحاول أمريكا أن تنشئه بجعل العالم صفين، إما أن تكون معها أو مع الصين، وهذا غير مقبول من دول الخليج، أن تحصر نفسها إما مع المعسكر الأمريكي أو الصيني، فالدول متوسطة الدخل من أمثالنا، لذا نحاول أن نتجنب هذا الصراع.
لتفادي هذا الصراع؛ تنتهج دول الخليج الاقتصاد المفتوح مع الشرق والغرب لتحقيق المنفعة الاقتصادية، للاقتصاد المحلي، كما تلجأ لتوقيع اتفاقيات للتجارة الحرة تضبط علاقتها مع الدول.

هل تتوقع أن يكون هناك ميلٌ أكثر لاتفاقيات التجارة الحرة؟

هذا الأفضل لتحقيق المستهدفات التي نطمح لها، لنأخذ تجربة شرق آسيا كمثال، وهي قائمة على التنمية المعتمدة على الصادرات.
بدأت الآسيان كما تعلمون بإنشاء تكتل فيما بينها، 10 دول، في تلك الفترة في الستينيات. عندما بدأت كان هناك انتقاد كبير جداً لها من قبل الصين ومن قبل الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، كان ينظر لهذا التكتل على أنه أداة إمبريالية غربية في آسيا.
الآن، التبادل التجاري بين الآسيان والصين، ضعف التبادل التجاري بين الآسيان والولايات المتحدة، لذلك وقعت الآسيان اتفاقية تجارة حرة مع الصين، وكما تعلمون، "آسيان+" التي وقعت في 2020/ 2021، وهذا التوجه عند الآسيان أدى إلى تحقيق المستهدفات التنموية، وانعكس إيجاباً على النمو.

كيف تنظرون لدول الخليج وبروز مسار التجارة الحرة بشكل أكبر في الفترة الأخيرة، وهل ترون أن هناك دولاً قريباً ستوقع اتفاقيات؟

لا شك أن اتفاقية التجارة الحرة مهمة لدول الخليج، كما هو منصوص عليها في موقع مجلس التعاون الخليجي، مجموعة الدول الآن محل نقاش، هناك أحاديث عن دول عدة منها بريطانيا، الصين، نيوزيلندا، إندونيسيا، تركيا، واليابان، ستبدأ دول الخليج معها قريباً، هذه الدول لا زالت قيد البحث، ونأمل أن يتم توقيع اتفاقيات بأسرع وقت معها.

هل الأزمات وزيادتها من الممكن أن تحفز هذه الدول للتقارب مع دول الخليج، وتركيا، لإبرام اتفاقيات تجارة حرة؟

دول الخليج لديها ميزة عن غيرها، وهي الموقع الجغرافي، وكذلك المخزون من الطاقة في باطن الأرض، والقوة الشرائية الموجودة لدى السكان، وكذلك الصناديق الاستثمارية الضخمة لدول الخليج، هذه المميزات قد لا تكون متوافرة لدول أخرى، وفي مرحلة الانفتاح الاقتصادي الآن، والتحول للتنويع، أصبحت اتفاقيات التجارة الحرة أكثر أهمية لدول الخليج، لكن في خضم التغيرات الاقتصادية التي تحدث، غدت هذه الاتفاقيات هي الآلية لفتح الأسواق.
على سبيل المثال، من خلال اتفاقية التجارة الحرة تستطيع فتح سوق لـ 200 أو 300 مليون نسمة، وهذا يعطي حافزاً أكبر لجذب الاستثمارات، لذلك وجدت الدراسات أن الدول التي وقعت اتفاقية تجارة حرة زاد فيها الاستثمار الأجنبي بأكثر من 30%، وارتفعت فيها كفاءة الإنتاج بنحو 5%، وانخفضت فيها تكلفة الإنتاج أو تكلفة النقل، هذه المتغيرات أدت إلى نمو مستمر في هذه الاقتصادات.

هل دول الخليج تمتلك مزايا خلال جولاتها التفاوضية، وهل فعلا موقفها التفاوضي قوي، خاصة خلال فتح ملف المفاوضات مع عدة دول في آسيا؟

مميزات الخليج تعطيه قوة تفاوضية. فالدول الخليجية الـ 6 تعمل كتكتل واحد، يجعلها تقريباً الـ 10 على مستوى الاقتصاد العالمي، وهذا يعطيها ثقلاً اقتصاديا، فالمميزات في قضية مخزون الغاز، ومخزون النفط، والموقع الجغرافي، والقوة الشرائية في الداخل، والصناديق الاستثمارية الضخمة يجعل لدول الخليج ميزة إذا استغلت، بطريقة صحيحة.
ونظرة دول الخليج تميل للانفتاح أكثر من الانطواء والتقوقع، وسيؤدي هذا لدخولها في اتفاقيات تنعكس إيجاباً على نموها الاقتصادي، وعلى تحقيق المستهدفات التنموية والرؤى التي تتبناها دول الخليج في المرحلة الحالية.

كيف يمكن أن يكون للتكتل الخليجي دور أقوى في الاقتصاد العالمي؟

التكتل الخليجي له دور والجميع متفق عليه، وله أثر، سواء بالمخزون النفطي أو بالصناديق السيادية التي هي جزء مهم من الاستثمار العالمي، إضافة إلى أهمية دور الموقع الجغرافي وتأثير منطقة الخليج على العالم العربي، ونمو الاقتصاد في الشرق الأوسط معتمد على نمو اقتصادات دول الخليج، وبالتالي هناك علاقة طردية تؤثر على المنطقة كلها، وتأثير ودور منطقة الخليج في قيادة منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، خاصة السعودية، هذه المتغيرات تجعل الخليج بقيادة السعودية لاعباً مهماً جداً في الساحة الدولية.
إضافة إلى أنه من الممكن أن يعظم هذا من التنويع الاقتصادي، إذ تستهدف منتجات مهمة جداً عالميا، مثل الطاقة المتجددة، وقضايا التقنية الحديثة والشرائح والذكاء الاصطناعي التي أصبحت هي التوجه في الاقتصاد العالمي.

نلحظ أن هناك تحركاً خليجياً في مفاوضات مع الدول الآسيوية على عكس السابق في الدول الأوروبية، فهل هذا يبرز التحرك للمناخ السياسي والاقتصادي الجديد في هذه الدول بالنسبة لدول الخليج؟

هنالك نقطتان مهمتان في علاقة الاقتصاد الخليجي بالشرق مقارنة بالغرب، الأولى تتمثل في نمو التجارة مع الشرق أعلى من نمو التجارة مع الدول المتقدمة للدول النامية كلها ونحن منها. كانت 28% من وارداتنا تأتي من أوروبا، الآن فقط 17%.
في نهاية التسعينيات كانت الصين في المرتبة 10، والآن الصين الشريك التجاري الأول لنا، فهناك تغير في التجارة الدولية، جزء منها التغير في هيكلية الاقتصاد العالمي وفي هيكلية التجارة العالمية في الاستثمارات، وحركة الاستثمارات التي لا تقف وتبحث عن أي بلد تدخل فيه وتنتج.
إضافة إلى أن قضية سلاسل الإنتاج غيرت تركيبة الاقتصاد العالمي لمصلحة الدول النامية، ما أثر في العلاقة التجارية بين منطقة الخليج، والدول الغربية بدأت تتراجع مقابل دول أخرى، فأصبحت هي اللاعب المهم في الساحة الدولية الاقتصادية.

كيف تقرأ الاقتصاد الخليجي، وهل ما يزال قوياً وينمو بشكل متسارع، رغم الأحداث الجيوسياسية، التي تحدث في دول العالم؟

الاقتصاد الخليجي هو جزء من المنظومة العالمية، وأي تأثير في المنظومة العالمية، نتأثر بها، لأن أهم منتجاتنا التي نصدرها للعالم تتأثر بالأحداث الجيوسياسية، وهما مصدر النمو الاقتصادي لدينا في المرحلة الحالية حتى نصل لمرحلة التنويع المستهدفة، وهما النفط والغاز، فأي تأثير في النمو الاقتصادي العالمي، سيؤثر في الطلب على النفط والغاز، أي قلاقل أو حروب ستؤثر كذلك في النفط والغاز سلباً أو إيجاباً، وبالتالي، تنعكس على اقتصادات الخليج.

هل أنت متفائل في الاقتصاد الخليجي؟
أنا متفائل باقتصاد الخليج في وجود هذه المدخرات الضخمة، والمستهدفات التي نأمل أنها تتحقق في الأجل القصير والطويل والتحول من مرحلة الاعتماد على النفط، واستخدام النفط والغاز في هذه المرحلة، في اقتصادات الخليج للتحول إلى المرحلة القادمة التي هي مرحلة التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط، وليس إلغاء الاعتماد، وأن يكون عندنا مصادر نمو قوية في الاقتصاد الخليجي، وهذا الذي نأمله مع الانفتاح الاقتصادي. ومع توقيع اتفاقيات تجارة حرة أكثر مع دول العالم، سيؤدي إلى استقطاب أكثر للاستثمارات، وتحسين الكفاءة ، وتخفيض التكاليف، والنقل، وانعكاس ذلك على نمو الاقتصاد الخليجي عالمياً.

وهل منظمة التجارة العالمية تحتاج إلى إصلاحات جذرية؟
أن منظمة التجارة العالمية تحتاج إلى إصلاحات جذرية، والكل يتفق أن تحتاج إلى إعادة هيكلة، والمنظمة نفسها تطرح هذا الأمر، وقد لاحظنا أن نقاش معظم دول العالم عن الرغبة في إصلاح المنظمات الدولية، خاصةً منظمة التجارة العالمية، كما أن المنظمة ذاتها رحبت في أكثر من تقرير بهذا الإصلاح.
يجب على دول العالم أن تجلس مع بعضها البعض، وإعادة النقاش في كيفية التفاعل مع التغيرات العالمية مثل الاقتصاد الرقمي، توجد الآن تغيرات هيكلية كبيرة في الاقتصاد العالمي، لم تؤخذ في الحسبان في المنظمة في تلك الفترة، يجب أن تكون الآن جزءاً من الاتفاقيات بين الدول، خاصة البيانات التي تعبر الحدود والمواقع، وبعض البرمجيات التي تستغل في بلد ما، وتعود فائدتها لبلد آخر.

الأكثر قراءة