التصيد الاحتيالي والتساهل في تمرير البيانات

يشهد العالم تطور متسارع في أشكال الاحتيال المالي التي تهدد مدخرات الأفراد، الأسر بل وصل الاحتيال المالي إلى الشركات ذات الهياكل التنظيمية المحترفة التي يتوقع منها تشكيل حواجز حماية تحول بينها وبين تعرضها إلى عمليات احتيالية تعصف بمشاريعها وأعمالها والعالم ممتلئ بنماذج متعددة لأشكال احتيال مالي مليوني و ملياري سواء كان ذلك بالتواطؤ أو بفن الخديعة والاحتيال رغم تطوير التنظيمات الهيكلية إلا أن هذه الاختراقات تحدث وتبدأ الكيانات الضحية رحلتها القانونية في الملاحقة، لعلها تصل إلى النتيجة المرجوة مع مرور الوقت، وهذه لياقة لا تمتلكها الأسر أو الأفراد الذين يقعون عرضة للاحتيال المالي ويعد هذا أحد الأعمدة الرئيسة التي يستند عليها المحتال إضافة إلى الفهم العميق بالأنظمة والقوانين وصولا إلى سرعة تطوير الأدوات التقنية التي تخدم الغرض.

حالي مثل كثير أمام مفاجآت طرحها رئيس نيابة الاحتيال المالي في اللقاء التلفزيوني الذي أجراه أخيرا متحدثا عن حجم هذه الآفة في العالم الذي بلغ بحسب إحصائيات 2021 ما قيمته 6.5 ترليون دولار مشيرا إلى أن التقديرات تذهب إلى أن تصل قيمة الاحتيال المالي عالميا 10.5 ترليون دولار في 2025 ما يمثل زيادة 61 % أو معدل نمو سنوي يمثل 15 %.

تمثل هذه الأرقام رعب عالمي وأرق متواصل للجهات المعنية لاحتواء هذا الجرم من زاوية التشريعات والرقابة وكذلك التوعية والإيضاح لإيصال الأفراد إلى مستوى تحصين يضعف قدرات المحتال لإقناع ضحاياهم للتجاوب معهم وصولا لتحويل الأموال لهم بوعود أو بيوع احتيالية تتجاوز الخيال. تأتي برامج وتشريعات الحماية هذه بتكاليف يتكبدها العالم تتجاوز 150 مليار دولار سنويا بحسب إحصائيات صدرت عن أحد مؤتمرات الاحتيال المالي. تصور عزيزي القارئ حجم الضرر بضياع المدخرات وحجم التكلفة المصاحبة للإنفاق على البرمجيات والأنظمة وبرامج مكافحة الاحتيال المالي.

تجاوز العالم في سرقة الأموال مستويات السطو الاعتيادي إما بكسر حرز أو بتهديد مسلح إلى آليات ذكية أنيقة تحاكي التعطش الفردي نحو الأرباح الكبيرة، الصفقات المنمقة، التجارة الإلكترونية ومواقع التسوق على الإنترنت المتعددة التي تدعي الاحتراف وتبيع كل شيء وكثير من الأساليب العديدة للاحتيال لأنه مع تطور أي منتج تجد العصابات الاحتيالية أسرع في فهمه والوصول إليه وتطوير منتجات تحاكي عاطفة الناس.

يلفت الانتباه القدرة العجيبة للمحتال في الاقناع وأعتقد أنه أصبح لزاما دراسة ظاهرة الحالة النفسية للمحتال دراسة نفسية مستفيضة لأن فهم طبيعة هذه العقول في التفكير تمثل إيجاد أسلوب مضاد للتفادي والمعالجة، قد مر علينا فترات انتحلت فيها مواقع الشركات المالية وكان من العجيب قدرة هؤلاء على إقناع الضحايا بالتعامل معهم والاستيلاء على أموالهم رغم تعدد فئات الضحايا المجتمعية وظيفيا، تعليميا.

يعد أخطر احتيال يتعرض له الأفراد الآن التصيد الاحتيالي والهندسة الاجتماعية التي تستهدف المجتمعات باحتياجاتهم ورغباتهم وتتعاطى مع طلباتهم ليقعوا ضحية للمحتال، بعدها يأتي التساهل بالتعامل مع البيانات البنكية أو البطاقات الائتمانية تمريرها وحفظها على مواقع التسوق والتطبيقات ما يجعلها عرضة للاختراق والاحتيال كذلك. إن مشوار محاربة الاحتيال المالي لا منتهي ومستمر بالتعامل مع آفة لا تحسر وإنما تتغذى كذلك بالتقدم التقني والتطور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي