ما التكلفة الحقيقية لخطة دونالد ترمب للرسوم الجمركية ؟

المرشح الجمهوري يقترح فرض تعرفة جمركية تصل إلى 60% على البضائع الصينية

زيادة الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية للأسر الأمريكية.

يقول المعلقون على الانتخابات الرئاسية الأمريكية أحياناً إن حملات المرشحين تخلو من أي أفكار لسياسات كبيرة مؤثرة، لكن من الواضح أن ذلك ليس صحيحاً هذه المرة. إذ يمكن القول إن أكبر تغيير للسياسات مقترح في الحملة الحالية هو فكرة الرئيس السابق دونالد ترمب الكبيرة لزيادة الجمارك على السلع المستوردة بشكل واسع النطاق ربما لمستويات لم تشهدها الولايات المتحدة منذ عقود.

الرسوم الجمركية لها آثارها، مثل أي سياسة اقتصادية. وقد أجريت تحليلاً جديدا في مركز "بدجت لاب" (Budget Lab) بجامعة ييل، وهو مركز غير حزبي للأبحاث المالية، اعتمدت فيه على النمذجة والأدلة الاقتصادية لقياس حجم بعض تلك الآثار. باختصار، ستجني الولايات المتحدة بعض الإيرادات من الرسوم المقترحة لكن ذلك سيكون بتكلفة باهظة على حساب الاقتصاد.

يمكن التفكير في الجمارك على أنها تشبه إلى حد ما ضريبة المبيعات على بضائع متنوعة مثل الأحذية الرياضية أو قطع غيار السيارات المصنوعة خارج الولايات المتحدة. هذه الحملة الرئاسية أثارت مسألة من يتحمل في نهاية المطاف عبء الرسوم الجمركية، الأمريكيون أم الأجانب. لكنه سؤال محسوم في الاقتصاد؛ فالإجابة هي الشركات والمستهلكون في الداخل لا المصنعون الأجانب. والواقع أن الشركات في كثير من الحالات تحمل عملاءها تكلفة الرسوم الجمركية عن طريق رفع الأسعار.

تاريخ معدلات الجمارك الأمريكية

تختلف الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة باختلاف الدول والبضائع. فبعض الواردات لا تخضع لجمارك على الإطلاق في حين تخضع بضائع أخرى لرسوم مرتفعة، إذ تبلغ الجمارك 100% على بضائع صينية معينة. وفي 2023، بلغ معدل التعرفة الجمركية "الفعلي" (وهو المتوسط المرجح للتعرفة الجمركية المدفوعة على جميع البضائع المستوردة) 2.5%.

وهذا أعلى قليلاً من مستوياته في التاريخ الحديث لكنه لا يزال منخفضاً جداً قياساً إلى سنوات أبعد. وفي مطلع القرن التاسع عشر، عندما كانت الجمارك هي المصدر الرئيسي للدخل الفيدرالي، كان على الأمريكيين دفع معدلات فلكية على معظم البضائع المستوردة، وكانت الرسوم "الفعلية" تتجاوز في معظم الأحيان 40% وبعض الأوقات 50%.

دفع صانعو السياسات في ذلك الوقت، وبعض الاقتصاديين منذ ذلك الحين، بأن الرسوم الجمركية المرتفعة كانت منطقية في أوائل القرن التاسع عشر إذ كانت الصناعة المحلية لا تزال تحبو. لكن أبحاث أحدث أثارت شكوكاً حول هذا الرأي. ومن جهة أخرى، ربما توجد، من زاوية غير اقتصادية، أسس منطقية لخفض الجمارك يرى صانعو السياسات أنها تبرر التكلفة الاقتصادية؛ مثل الأمن القومي.

مقترح ترمب لزيادة الجمارك

رسم ترمب في عدة تصريحات خلال حملته الانتخابية ملامح أفكار رفع الرسوم الجمركية مجدداً إلى مستويات تاريخية. واقترح مجموعة واسعة النطاق من الرسوم على البضائع المستوردة من الشركاء التجاريين قد تراوح بين 10% و20%، كما فتح الباب لاحتمال فرض رسوم بنسبة 60% على جميع الواردات من الصين. وطرح ترمب في سبتمبر فكرة فرض رسوم بنسبة 200% على الواردات من المكسيك. وضع مركز "بدجت لاب" 12 سيناريواً توضيحياً لتركيبات متنوعة من تلك النسب المختلفة بعضها افترض اتخاذ الدول المستهدفة إجراءات انتقامية وبعضها لا.

الرسوم الجمركية هي في الأساس أحد أشكال الضرائب، ومقترحات ترمب ستحقق بالفعل إيرادات كبيرة يمكن استخدامها لخفض عجز الميزانية الفيدرالية البالغ 1.8 تريليون دولار في السنة المالية 2024 التي انتهت في 30 سبتمبر. ووفقاً للتفسير الأكثر شيوعاً لمقترح ترمب (الذي يطالب بفرض رسوم بنسبة 10% على جميع البضائع المستوردة و60% على جميع الواردات من الصين) فستجمع الولايات المتحدة 2.6 تريليون دولار خلال 10 سنوات ما لم تتخذ الدول الأخرى إجراءات انتقامية. وفي حالة رفع الرسوم على الدول الأخرى غير الصين إلى 20% فسترتفع الإيرادات 4.4 تريليون دولار.

تأثير الإجراءات الجمركية الانتقامية في الولايات المتحدة

لكن هناك عدة محاذير عند اعتبار الجمارك مصدراً للإيرادات. فمن شبه المؤكد أن تتخذ الدول الأخرى إجراءات للانتقام من الولايات المتحدة، وستفعل ذلك بشكل فوري تقريباً. ومن أمثلة ذلك ما فعلته الصين خلال أيام من فرض ترمب رسوماً عليها بموجب المادة 301 من قانون التجارة.
وأثناء بحثي في "بدجت لاب" وجدت أن الإجراءات الانتقامية تقلل ما تجمعه الولايات المتحدة من إيرادات جمركية بما بين 12% إلى 26% وفقاً لكل مقترح إذا اختارت الدول الأخرى الانتقام. وهذا يعني أن مقترح فرض تعرفة جمركية بنسبة 10% على الشركاء التجاريين و60% على الصين سيحقق 2.2 تريليون ريال فحسب في حالة وجود رد، بينما سيحقق مقترح 20% و60% إيرادات قدرها 3.4 تريليون دولار.

الأمر الثاني أن التقديرات التقليدية أعلاه تفترض بقاء حجم الاقتصاد ثابتاً. والواقع أن هناك أدلة سابقة، إلى جانب النمذجة التي أجراها مركز "بدجت لاب"، ترجح أن ينكمش الاقتصاد نتيجة للرسوم. مهما كان الأثر الإيجابي الناجم عن الجمارك من إنعاش الإنتاج المحلي فلن يوازي أثر ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج وتراجع الاستثمار وانخفاض إنفاق المستهلكين والدخول الحقيقية. وعلى حسب السيناريو، سينخفض مستوى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بواقع 0.5% إلى 1.4% في المدى المتوسط وهو ما يعادل خصم 120 مليار دولار و325 مليار دولار من الاقتصاد اليوم. والاقتصاد الأصغر يعني تحصيل إيرادات أقل من الجمارك.

ووفقاً للقواعد الأساسية الخاصة بمكتب الميزانية بالكونغرس فإن تأثيرات بهذا النطاق في الناتج المحلي الإجمالي ستؤدي إلى انخفاض الإيرادات الديناميكية بما بين 400 مليار دولار إلى تريليون دولار مقارنة مع التقديرات التقليدية. ولذا فالزيادة المالية ستكون في الواقع أقل.

الرسوم الجمركية وأسعار المستهلك الأمريكي

ثالثاً، سترتفع الأسعار وتتراجع الدخول الحقيقية للأسر نتيجة للرسوم الجمركية. وبينما يوجه عُشر إنفاق المستهلكين الإجمالي إلى سلع مستوردة، فإن ربع الإنفاق على السلع الاستهلاكية يوجه إلى تلك السلع وهو ما يعني أن الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير ملموس في الأسر.

سيواجه المستهلكون زيادات سعرية بين 1.2% و5.1% على حسب المقترح. وهذا يماثل أن تواجه فجأة زيادة تعادل ما بين 7 أشهر وعامين ونصف من التضخم الاعتيادي. ومن شأن هذه الزيادات السعرية أن تقلل القدرة الشرائية للدخل السنوي للأسر العادية بما بين 1900دولار و7600 دولار بحساب قيمة الدولار في 2023. وفي ضوء الأدلة على أن الرسوم الجمركية تثقل كاهل الأسر منخفضة الدخل بدرجة أكبر من الأسر ذات الدخل الأعلى، فالضغط سيكون شديداً جداً على وجه الخصوص على الأسر الأقل قدرة على التحمل.

بعد اكتمال الانتقال إلى النظام الجديد، ستجد الولايات المتحدة أن لديها تعرفة جمركية فعلية بنسبة تراوح بين 9% و29%. وسيكون ذلك النطاق أعلى معدل فعلي للتعرفة الأمريكية منذ العام 1946 على الأقل عند حده الأدنى ومنذ العام 1899 عند حده الأعلى. بعبارة أخرى، فإن النظام الضريبي الاتحادي الأمريكي سيرجع فجأة قرناً كاملاً إلى الوراء ليبدو أقرب إلى ما كان عليه أيام السينما الصامتة.

كما أن الولايات المتحدة ستبرز على المستوى العالمي. وتشير بيانات البنك الدولي إلى أنه لو كانت هذه السياسات قائمة في 2021 لصعدت الولايات المتحدة بالحد الأدنى من ذلك النطاق من المركز 110 عالمياً من حيث معدل الجمارك الشامل الفعلي (قرب أيسلندا وسويسرا) لتحل محل كوبا في المركز 31. أما بالحد الأعلى من النطاق، فسيكون لديها أعلى معدل فعلي للجمارك في العالم متجاوزة برمودا وبليز وغامبيا.

مقترح ترمب للجمارك قد يكون أكبر تحول في السياسة التجارية والضريبية الأمريكية على مدى أجيال، وقد يحقق إيرادات بمليارات الدولارات. لكن النتائج التي توصل إليها مركز "بدجت لاب" تظهر أن الأثر السلبي في الاقتصاد ربما يكون هائلاً. واعتاد المعلقون الشكوى من عدم وجود سياسات كبيرة والآن أمامهم سياسة قد تكلفهم كثير للحديث عنها.

باختصار

المقال يناقش مقترح الرئيس السابق دونالد ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة إلى مستويات مرتفعة، وهو يعد تحولاً كبيراً في السياسة الاقتصادية الأمريكية. تحليل من مركز "بدجت لاب" في جامعة ييل يظهر أن هذا المقترح سيحقق إيرادات كبيرة، لكن بتكلفة باهظة على الاقتصاد. الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة وتقليل الإنفاق الاستهلاكي، ما يؤدي إلى انكماش الاقتصاد بنسبة تراوح بين 0.5% و1.4%. رغم الإيرادات الكبيرة المتوقعة، فإنها ستتقلص بسبب ردود الفعل الانتقامية من الدول الأخرى والآثار السلبية في الاقتصاد الأمريكي.

خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي