جائزة نوبل للاقتصاد

توج ديرن امسقلوا و سايمون جونسون (اقتصادين) في معهد ماسشيوتس للتقنية وجيمس ربونسون (عالم سياسة) في جامعة شيكاكو بجائزة نوبل للاقتصاد لهذا العام لأبحاثهم في دور المؤسسات ودرها في نتائج الازدهار الاقتصادية. هناك اختلافات مؤثرة بين محاولات وتجارب الدول في تحقيق الازدهار الاقتصادي، قليل ينجح وكثير يتعثر لأسباب تعود لتكييف الاقتصاد السياسي من خلال دور المؤسسات. ربما بداية من دقلاس نورث الذي أيضا فاز بالجائزة كأول مهتم بالاقتصاد المؤسساتي.

تعود الجائزة لهؤلاء في نفس الميدان لكن بعد تقدم في الطرح و تطوير نماذج واستخلاص تجارب في هذا الميدان المفصلي. شاعت أسماء امسقلو و ربونسون بعد كتابهم: لماذا تفشل الأمم ؟ Why Nations Fail, الذي كتبت عنه عمود: في الاقتصادية بعنوان مختصر كتاب: لماذا تفشل الأمم؟ أكتوبر 28/2013، كذلك نوهت سابقا بجوهر الفكرة من خلال عمود يصف ميكانيكة الدائرة الخيرة والشريرة في عدد 5517 بتاريخ 18 نوفمبر 2008.

طبقا لما ذكرت الأكاديمية السويدية للعلوم أن التحدي الذي واجه هؤلاء المختصين تشخيص وحلول لمشكلتين الأولى تخص كل المجتمعات حتى المتقدمة منها في ضعف المساوات في الدخل والثروة بين النخب والعامة وتفاقم الإشكالية تدريجيا، والثانية الفجوة في الازدهار الاقتصادي بين الدول وصعوبة الانتقال من مستوى لآخر. فمثلا استغلت الدول الأوروبية كثير من دول العالم لكنها لم تحاول إصلاح مؤسساتي لهذه المجتمعات لأن هذا يتنافى مع استغلال الموارد و البشر.

غالبا بعيد رحيل المستعمر تاسس نظام حصري يخدم الفئة الحاكمة التي أصبحت مستغلة للموارد ولأن الموارد لم تنمو بسبب ضعف المؤسسات أصبحت هذه النخب مشغولة بمنافسة قصيرة الأجل وخائفة لأن القرص لا ينمو والمنافسة صفرية، بالتالي اتجهت إلى عدم الانفتاح بتطوير المؤسسات وبالتالي انتهت بتكريس السلطة.

كلما استمر هؤلاء بالسلطة كانت السلطة مصدر الغناء ولم تعد لوعودهم مصداقية. كثير من الدول النامية وصلت لهذه المرحلة بالتالي دخل دائرة غير خيرة تتميز بنمو بطيء و عدم ثقة بين الفئات والطبقات المختلفة وتهديد مستمر للسلم الاجتماعي.

لتوضيح الفكرة يذكر ربونسون تجربة مدينة نوقلاس بين أمريكا (ولاية أريزونا) و المكسيك- نفس المدينه و الناس- يفصل بينهما حاجز الحدود فقط. الدخل في الجزء المكسيكي نحو 30% دخل الجزء الأمريكي. السبب يعود إلى جودة المؤسسات في أمريكا مقارنة بالمكسيك -من أهمها الأمن وثبات حقوق الملكية وقوة القانون والقضاء وتكافؤ الفرص و المنافسة الشريفه- مؤسسات تقود لتعليم أعلى واستقرار وظيفي وأخطار أقل بالتالي فرصه أعلى للاستثمارات وتنمية رؤوس الأموال بالتالي الدخل والثروة. أيضا حاولوا التعامل مع تزايد الفجوة في الدخل و الثروة بين أعلى 10% و أقل 50% في المجتمعات المتقدمة. حتى هنا للعامل المؤسساتي دور وإن لم يكن بحدة الدول النامية.

أبحاثهم قادت إلى أن المؤسسات أهم من المقومات كالموارد الطبيعية والجغرافيا وحتى طبيعة الحكم. تحليليا، التشخيص يبدو مقبولا لكن الإشكالية العملية أن قليل جدا من الدول استطاعت تجاوز مشكلة القفز من دولة نامية إلى متقدمة، أغلب الدول التي استطاعت في آسيا كتايوان وسنغافوره وكوريا ما يرجح أسباب ثقافية يصعب تأطيرها. كثير من الدول حققت تقدما ثم وصلت ما يسمى ورطة الدخل المتوسط (middle income trap) كالبرازيل و تركيا. إذ يبدو أن السهل تحقق لكن المطالبة بتحقيق أكثر يحتاج إعادة النظر في جوانب مؤسساتية يصعب التقدم فيها لأنها ترفع الاحتكاكات بين فئات اعتادت على ما يسمى بالطريق المألوف (path dependency) - تغيير الطريق يتطلب عزيمة و انضباط جماعي يصعب قبوله لكثير في الوقت نفسه، لأن بعضهم خائف على مركزه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي