الابتكار الرقمي بين المد والجزر

في ظل التحولات الرقمية المستمرة وفي عصر التكنولوجيا المتسارع، يُعد الابتكار الرقمي حجر الزاوية للبقاء في سوق الأعمال التنافسية، ولا يعد مجرد وسيلة لتحسين التكنولوجيا، بل أصبح عنصراً أساسياً لتحسين الأداء وتعزيز التنافسية، وفلسفة تتبناها الشركات لتحقيق استدامة النجاح في المستقبل. ومن هنا تبرز فكرة "المد والجزر"، حيث يمثل "المد" فرص النمو والإمكانات الواعدة، بينما يرمز "الجزر" إلى التحديات التي قد تواجه مسيرة الابتكار الرقمي.

وفي هذا المقال، سأتناول طبيعة هذا الابتكار، مع التركيز على مدى تأثيره والعوامل المؤثرة فيه، وسبل التعامل مع التغيرات. الابتكار الرقمي هو عملية تعتمد على التكنولوجيا لتحسين المنتجات، والخدمات، والعمليات التشغيلية، ويتضمن تقنيات عديدة مثل الذكاء الاصطناعي والخوارزميات الذكية التي تتطور بمرور الوقت، وتحليل البيانات الضخمة، والتقنيات السحابية التي تعزز الكفاءة وتخفض التكاليف، والتحليلات المتقدمة للتنبؤ بالتوجهات المستقبلية.

وتشير عديد من التقارير إلى أهميته في تعزيز التنافسية، منها ما أظهره تقرير "ماكينزي" من أن 80% من الشركات التي استثمرت في هذا المجال شهدت زيادة في إيراداتها، كما أن التحول الرقمي يمكن أن يرفع هامش الربح بنسبة تصل إلى 10%. وقد أظهرت دراسات متعددة أيضاً أن ذلك يعزز الإنتاجية بنسبة تصل إلى 30%، ما يسهم في خفض التكاليف وزيادة العائدات بشكل عام. تبرز فرص الابتكار الرقمي "المد" في التطورات التكنولوجية السريعة، حيث يشير أحد التقارير الصادرة عن "جارتنر" أن 37% من الشركات تتطلع إلى دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمتها، ويُتوقع أن يصل عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت إلى 75 مليار جهاز بحلول 2025، ما يوفر إمكانات هائلة للاستفادة من البيانات المجمعة.

كما يرى 62% من رواد الأعمال أن الابتكار الرقمي يعد عاملاً لتعزيز قدرتهم التنافسية، ولا سيما في قطاعات مثل التكنولوجيا المالية، التي شهدت الشركات الناشئة فيها نجاحًا بفضل تطبيقات مبتكرة لتحويل الأموال، ما يتيح لهم التوسع في أسواق جديدة بطرق لم تكن ممكنة من قبل. وعلى الجانب الآخر، تأتي التحديات "الجزر"، حيث يُعد الأمان السيبراني من أبرزها، إذ تشير بعض التقارير إلى زيادة الهجمات السيبرانية بنسبة 15% سنوياً، ما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة.

ويتوقع أن تصل تكلفة الهجمات الإلكترونية إلى 10.5 تريليون دولار بحلول 2025. كما أن عدم القدرة على التكيّف مع التغيرات ومقاومة ذلك يعد تحديًا كبيرًا. كما تمثل التكاليف المرتبطة بالتحول الرقمي عائقًا لبعض الشركات. وتشكل قصص نجاح وفشل بعض شركات نماذج حية لأثر الابتكار الرقمي في ذلك، مثل أمازون وبلاك بيري على سبيل المثال، فأمازون أسهمت استثماراتها في الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني في تحقيق إيرادات تجاوزت 469 مليار دولار في 2021، بينما لم تتمكن بلاك بيري من التكيف السريع مع تغيرات السوق، ما أدى إلى تراجع إيراداتها إلى 1.3 مليار دولار في 2016 بعد أن بلغت ذروتها عند 20 مليار دولار.

الابتكار الرقمي يمثل رحلة مستمرة تجمع بين الفرص والتحديات. فبينما يتيح الابتكار فرصاً كبيرة للنمو والتميز، يتطلب أيضاً مواجهة التحديات بحكمة وابتكار. ومن هنا، يتعين على كثير من الشركات تبني إستراتيجيات مرنة لتعزيز قدرتها على التأقلم مع التغيرات السريعة وضمان أمن بياناتها. ففي المستقبل، سيظل الابتكار الرقمي هو القوة الدافعة لمشهد الأعمال في مختلف القطاعات، وسيظل نجاح هذه الشركات مرتبطاً بمدى قدرتها على اجتياز هذه الرحلة المعقدة بين المد والجزر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي