ماسك يفهم جزئيا خطط ترمب الاقتصادية
لا يسع المرء إلا أن يُـعجَـب بعدمية إيلون ماسك الصريحة التي تتجلى في اعتقاده بأن الرسوم الجمركية التي يقترحها دونالد ترمب، والترحيلات، وتخفيضات الإنفاق (التي تطوع ماسك بالإشراف عليها) من شأنها أن تؤدي إلى انهيار الأسواق المالية وأن تُـحـْـدِث "ردة فعل أولية مُـضَـخَّـمة موجِـعة على مستوى الاقتصاد بالكامل". وهذا ما ستفعله هذه الرسوم حقا. يتخيل ماسك أنه يستطيع توفير تريليونات الدولارات من خلال القضاء على الهدر الحكومي. وعلى الرغم من افتقاره إلى التفاصيل، فإنه يتعهد بمنع "أي استثناءات". ولكن في العقود التي مرت منذ تولى رونالد ريجان منصبه، جرى إفراع الحكومة الفيدرالية الأمريكية من محتواها، ولم يتبق سوى مكانين، حيث قد نجد هدرا كبيرا. أحدهما هو البنتاجون. والآخر يتمثل في مدفوعات الفائدة على الديون الحكومية واحتياطيات البنوك. واحتراما لإيلون ماسك، سنتجاهل التيار الهائل من القروض، وإعانات الدعم، والإعفاءات الضريبية للشركات الأمريكية، بما في ذلك شركات إيلون ماسك ذاته.
لخفض مدفوعات الفائدة، لا بد من خفض أسعار الفائدة. فآنذاك فقط تستطيع أمريكا، بالاستعانة بالموارد التي ستتحرر بفضل الإصلاحات الإستراتيجية، تمويل الاستثمارات الضرورية في صناعات جديدة، وتخفيف التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، والمدن، والنقل، والبيئة. تكمن مأساة قانون خفض التضخم وقانون الرقائق الإلكترونية والعلوم اللذين أقرهما الرئيس جو بايدن في تقويضهما من قِـبَـل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يقدر هيمنة الدولار العالمية فوق كل شيء آخر. ولم تكن سياسات بايدن لتنجح في ظل سياسات مضادة أكثر قوة تحول دون نجاحها.
ربما تكون الرسوم الجمركية المرتفعة جذابة في نظر ماسك جزئيا، لأنها ستستمر في حماية شركة تسلا ضد المنافسة من شركات تصنيع المركبات الكهربائية الصينية، التي تباع مركباتها الكهربائية الآن بأقل من 15000 دولار في الصين. ومع وجود تعريفات جمركية مفروضة على المركبات الكهربائية بالفعل، فقد تغطي تعريفات جديدة مجموعة واسعة من السلع، بما في ذلك أشباه الموصلات وكل المنتجات التي تستخدمها. وفي حين أن الهدف هو تعزيز الصناعات الأمريكية الجديدة والقادرة على المنافسة، فإن التأثير المحتمل سيكون خلق سوق محلية آمنة لمنتجات من الدرجة الثانية. وقد لا يمانع الصينيون كثيرا، فبوسعهم أن يبيعوا سِـلَـعـهم لبقية العالم.
لنفترض أن التخفيضات والرسوم الجمركية حدثت، إلى جانب انهيار السوق، والإفلاس الجماعي، وفشل البنوك، والبطالة. يؤكد لنا ماسك أن التعافي سيكون عفويا وسريعا. وفي هذا يشبهه أمريكي عظيم آخر، وزير الخزانة في عهد الرئيس هربرت هوفر، أندرو ميلون، الذي نَـصَـح بعد انهيار سوق الأوراق المالية في 1929: بـ"تصفية العمالة، وتصفية الأسهم، وتصفية المزارعين، وتصفية العقارات، إذ إن هذا من شأنه أن يطهر النظام ويطرد منه الـخَـبَــث. وستنخفض تكاليف المعيشة المرتفعة والبَـذَخ في الإنفاق. وسيعمل الناس بجدية أكبر، ويعيشون حياة أكثر أخلاقية. وستُـعَـدَّل القيم، ويلتقط أصحاب المشاريع المغامرون الحطام من الناس الأقل كفاءة". (كان هوفر يحتقر هذه النصيحة، لكن التعافي السريع لم يبدأ إلا بعد انتخاب فرانكلين روزفلت، عندما فَـصَـلَ الدولار عن الذهب وأطلق الصفقة الجديدة).
وعلى هذا فربما نكون مقبلين على انشقاق كبير بطريقة أو أخرى. لكننا لن نجد أي علامة تشير إلى أن ماسك وترمب يعتزمان تنفيذ الإصلاحات العسكرية والدبلوماسية والمالية اللازمة لإطلاق البلاد نحو التجديد. بدلا من ذلك، وبصرف النظر عن الوعود الانتخابية، قد يلوذان بالتكتيك الرجعي القديم المتمثل في خفض الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية للمسنين، والرعاية الصحية للفقراء، فضلا عن المعاقل الأخرى المتبقية من الصفقة الجديدة والمجتمع العظيم، مثل لجنة الأوراق المالية والبورصة، وحتى الوكالات الأقدم، مثل لجنة التجارة الفيدرالية. ستُـفضي مثل هذه التخفيضات حتما إلى انهيار الاقتصاد ــ وغير ذلك كثير. لكنها لن تحرر سوى قدر ضئيل من الموارد، وسيكون التعافي بعيد المنال. سيخلقان صحراء ويسمونها "هدرا".
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.